تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة في مصر مطالبة بالإصلاح ورافعة شعار لا للتمديد ولا للتوريث، وانحصرت مطالبات الإصلاح في رفع حالة الطوارئ وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، وتعديل الدستور بما يسمح بانتخابات رئاسية ونيابية حرة وحقيقية، وهذه كلها مطالب لا غبار عليها إذ أن الحرية بشكل عام هي مفتاح الإصلاح في مصر، ولكن ما أهمية انتخابات نيابية ورئاسية حرة مقامة على بنية هشة عملت فيها عوامل النخر والإفراغ من المضمون بفعل طول أمد الفساد والاستبداد في البلاد الذي يطول على الأقل إلى أكثر من نصف قرن، وليس هو وليد عهد مبارك على ما أوصل البلاد إليه من حالة التعفن تحت دعاوى الاستقرار، وأوصل البلاد إلى حالة من الإنهيار والتبعية الاقتصادية تحت دعاوى التنمية؛
والمبدأ الذي أستند إليه هاهنا في ضرورة أن تضع حركة المطالبة بالإصلاح ضمن مطالبها عددا من المطالب طويلة الأمد والتي تساهم في إعادة ثقافة الحرية والتدافع السلمي إلى الحياة المصرية وتساهم في خلق تعددية اجتماعية حقيقية تكون هي الأساس في بناء تعددية سياسية حقيقية.
بين التعددية السياسية والاجتماعية
أبني دعوتي تلك على ما جاء في ورقة أستاذنا المستشار البشري والمنشورة في إسلام أون لاين في أول أكتوبر من عام 1999، أي منذ ما يقرب من ست سنوات تحت عنوان "منهج النظر في أسس البناء الديمقراطي والتعددية ومؤسسات المجتمع المدني" ، ولم يلتفت إلى ما جاء فيها من نفيس القول حول أسس البناء الديمقراطي الذي نسعى إليه، يقول المستشار البشري في ورقته "إن الحديث عن الديمقراطية أو عن التعددية هو في عمومه حديث عن "المؤسسات" في المجتمع، أي الهيئات التي تنظم الجماعة في عمومها أو في تكويناتها الفرعية، أقصد بالجماعة في عمومها الجماعة السياسية التي تتكون "الدولة" على أساسها.
وأقصد بالتكوينات الفرعية: الجماعات الثقافية أو المهنية أو الإقليمية أو العرفية أو الاقتصادية، والتي تندرج في الوعاء العام للجماعة السياسية. والذائع في بلادنا في الحقبة الأخيرة هو الحديث عن التعددية، باعتبار أنها تعني تعدد الأحزاب، وتعدد منابر التعبير عن الرأي السياسي، وذلك في مقابل نظام التنظيم السياسي الواحد الذي عرفته هذه البلاد منذ الخمسينيات، وفي أول عهود الاستقلال السياسي فيها.
فالتعددية الحزبية تستلزم تعددية مؤسسات الدولة واستقلالها وفي تصوري أن التعددية هي شأن لا يقوم النظام الديمقراطي إلا به، وهي ليست مقصورة على التعدد الحزبي، بل إن التعدد الحزبي مشروط بغيره من ضروب التعددية في المجالات الأخرى. ومع التعدد الحزبي يتعين أن يقوم تعدد في مؤسسات الدولة يتوزع عليها اتخاذ القرار العام والقيام بالعمل العام" ثم يقول تحت عنوان "التعددية الاجتماعية أساس التعددية السياسية":
ثم بعد ذلك يرد تعدد التنظيمات الاجتماعية للجماعات الفرعية، وهذه الجماعات تمثل التكوينات الوسطية بين الجماعة العامة التي تقوم الدولة على أساسها وبين الأفراد، وهي الكفيلة بجمع الآراء الفردية وتنظيمها، وإقامة وجه من وجوه الإدارة الذاتية لكل من الجماعات، وهي – أيضًا - الكفيلة بتنظيم القوى الشعبية المتنوعة، وإقامة نوع من التوازن بين هذه القوى وبين السلطات المركزية، أي إقامة نوع من التوازن بين هذه القوى وبين السلطات المركزية، أي إقامة نوع من التوازن بين الجماعة السياسية الكلية المعبر عنها من الدولة وبين هذه المكونات الفرعية في تكاثرها، بحيث تعبر كل منها عن ذاتها. وأتصور أن هذا النوع الأخير هو ما عليه المعوّل في نجاح أو فشل وجوه التعدد من النوعين الأولين".
أعمدة الإصلاح الحقيقي في مصر
وعلى أساس ما جاء بتلك الورقة النفيسة أعرض أسس الإصلاح التالية التي أراها تمثل أعمدة الإصلاح الحقيقي في مصر والذي يضمن استعادة الشعب المصري لثقافته الأصيلة: ثقافة ممارسة الحرية والتعددية في إطار من التدافع السلمي:
• لا ديمقراطية حقيقية بدون مجتمع مدني حقيقي
• لا تعددية سياسية بدون تعددية اجتماعية اجتماعية حقيقية
• ولا مجتمع مدني ولا تعددية اجتماعية حقيقيتان بدون مجتمع حر وحي
• لتحقيق الحياة والحرية للمجتمع لابد من بناء الثقافة والبيئة الملائمة والتي لابد لها من الأعمال التالية:
- إصلاح نظام البلديات بإعادة هرم السلطة المقلوب إلى وضعه الصحيح: المجلس المنتخب هو صاحب السلطة الأولى، والموظفون المعينون العاملون في رئاسات الأحياء والقرى تابعون لإرادة المجلس المنخب والذي يحق له عزلهم أو تثبيتهم، كما يحق للمجلس المنتخب التصرف في ميزانية الحي أو القرية أو المحافظة وفقا لما يراه من مصلحة المكان الذي يقيم فيه وتنتخب مجالس البلديات من ممثلي طوائف الحرف والمهن في كل جهة، إضافة إلى ممثلي العائلات والقبائل أو ممثلي الشوارع والحارات المختلفة في إطار نظام انتخاب تصاعدي يضمن تمثيلا حقيقيا للمجتمع بأسره، ويجعل من نظام البلديات هو الأساس لكل ما يبنى فوقه من بناء ديمقراطي.
- إحياء وتطوير نظام طوائف الحرف ليصبح ممثلا لجميع طوائف الشعب المهمشة والمحرومة من التمثيل في أي مجلس يساهم في صنع القرار الذي يمثل الصالح العام لأهل كل جهة أو مهنة أو حرفة، ويشمل ذلك النظام جميع طوائف الأرزقية (حرفيين، وتجار شوارع وعمال تراحيل جدد، وصغار التجار)
- تحرير النقابات العمالية من قبضة الحكومة وحزبها الحاكم، وامتداد نظام النقابات العمالية إلى مصانع القطاع الخاص والتعاوني بما يضمن تحقيق مصالح العمال ويمنع من جور أصحاب الأعمال أو مديريها عليها سواء كانوا يمثلون أنفسهم أو الحكومة والقطاع العام.، وكذلك مشاركة نسبة من ممثلي العمال في مجالس إدارات جميع تلك المصانع والشركات بما يضمن ديمقراطية الإدارة.
- تحرير الاتحادات الطلابية من قبضة الحكومة وحزبها، وإلغاء لائحة 1979 وإعادة اتحاد طلاب مصر إلى الوجود، وتعميم نظام الاتحادات الطلابية على جميع المدارس الحكومية والخاصة والأهلية والتعاونية، بما يساهم في خلق ثقافة المشاركة في اتخاذ القرار منذ الصغر.
- إنشاء نقابات لعمال الزراعة متحررة من قبضة الحكومة وحزبها بما يضمن مصالح المزارعين أمام أصحاب الأراضي سواء كانوا من الجهات الحكومية أو الخاصة أو الأهلية أو التعاونية.
- تحرير النقابات المهنية من أسر الحراسات والحكومة وإلغاء القانون 100 لتعود إلى ممارسة دورها في الحياة المهنية والسياسية المصرية.
- تحرير حركة التعاونيات من قبضة الحكومة وحزبها وإلغاء كافة القوانين المقيدة لحرية حركة التعاونيات
- تحرير الأوقاف من قبضة الحكومة، وإعادة كافة الأوقاف الخيرية إلى أصحابها سواء كانوا من الهيئات أو الأفراد، وإطلاق حرية تكوين وإنشاء المؤسسات الوقفية الجديدة بما يضمن تمويلا وطنيا للعمل الأهلي.
- تحرير الجمعيات الأهلية من قبضة الحكومة، وإلغاء كافة القوانين أو البنود المقيدة لتشكيل الجمعيات في قانون الجمعيات الأهلية الجديد والتي تضع سلطات للجهات الإدارية تعوق دون حرية تشكيل الجمعيات، مع الحفاظ على سلطة الرقابة المالية المحكومة بالدستور والقانون بما يمنع من التعسف في استخدام هذا الحق الرقابي.
- فك طلاسم التحنيط عن الجمعيات العلمية القديمة واستحداث جمعيات علمية جديدة تشمل كافة تخصصات العلوم والمعارف، وجعل عضوية تلك الجمعيات العلمية وفاعليتها شرطا لممارسة المهن المرتبطة بها.
- تحرير المساجد من قبضة الحكومة، بجعل الإشراف عليها من سلطة البلديات المنتخبة وليس من سلطة وزارة الأوقاف، مع تنظيم سلطة الرقابة على أموال التبرعات بالمساجد بما يمنع النعسف أو التسيب والفساد في استخدامها، ويقوم بتنظيمها مجلس البلديات المنتخب.
- تحرير حركة المجتمع المدني ككل من القبضة الأمنية، بمنع تدخل جهاز أمن الدولة في أعمال المؤسسات الأهلية سابقة الذكر، أو في أعمال الجامعات والمدارس ومؤسسات الحكومة أو المؤسسات الأهلية والخاصة.
- تحرير نظام العمد والعمداء من القبضة الأمنية والحكومية، وإعادة نظام الانتخاب له، مع تشكيل مجالس منتخبة معاونة للعمد والعمداء في أعمالهم، وكذلك جعل مجالس الأقسام بالكليات والمعاهد التعليمية والمؤسسات البحثية بالانتخاب الحر.
حريات عامة أساسية
- إطلاق حرية الجماهير في تنمية ذاتية ومستقلة تعتمد على الخامات والموارد المالية والبشرية المحلية، وتتكئ على استنبات التكنولوجيا الملائمة بمستوياتها الدنيا والوسيطة والعليا.
- إطلاق نظام تعليمي جماهيري تعاوني وأهلي حر، قائم على التوافق مع برامج التنمية المحلية والذاتية المستقلة، تعليم يحرر عقليات الجماهير المقهورة ويطلق وعيها النقدي.
- إطلاق حرية تكوين الفرق الفنية المسرحية والغنائية والسينمائية الأهلية بما يضخ الدماء في الحركة الفنية وبما يجعلها ممثلة لآلام وآمال الجماهير.
تعديل دستوري على قمة أعمدة الإصلاح
- تعديل دستوري يجعل من:- مجلس الشعب هو مجلس لمحاسبة الحكومة يتم انتخابه من قبل طوائف الشعب الممثلة في نظام طوائفعا ونقاباتها المختلفة، بما يشمل مجالس الطوائف والحرف، والنقابات العمالية والمهنية والزراعية واتحادات الطلاب والجمعيات الأهلية.
ويجعل من:- مجلس الشورى مجلس مختص بالتشريع ويتم انتخابه من قبل الجمعيات العلمية التخصصية (سابقة الذكر) والتي تشمل جميع تخصصات العلوم المدنية والعسكرية والأمنية، والدينية (الإسلامية والمسيحية على السواء).
اقرأ أيضاً على مجانين:
صناعة الحياة..أطر لتحديد الرؤية / العدالة الاجتماعية بين منهجين: خيري وثوري