أحب السيد المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وأحب السيدة العذراء (مريم) الصديقة رضي الله عنها وحشرنا معهم يوم القيامة، بصحبة الأنبياء والشهداء، وحسن أولئك رفيقا هادئة نفسي رغم الألم، ويعمل رأسي بانتظام رغم الغضب الشديد مما حدث ويحدث في الإسكندرية!! المعلومات ناقصة كالعادة، والشائعات تنطلق والاندفاع الأحمق سيد الموقف، والإدارة الحكومية للأزمة ليست أسوأ منها سوى الإدارة الشعبية، حتى الآن!!
الخرائط تتزاحم أمامي ((الفوضى الخلاقة)) تعمل بنجاح، ونحن نلهث وراء الأحداث, لا نكاد نخرج من مهلكة حتى ندخل في متاهة!! ولا توجد خرائط بديلة ممكنة أو مطروحة بجدية، فقط ردود الأفعال التقليدية السخيفة أو المتشنجة، أو المخلصة ولكن قاصرة.
والآن الطعن بالسكين هو من أسوأ أنواع الانتهاك البدني تأثيرا على النفس، إنه اقتحام للبنيان الذي شيده الله وكرمه، بشكل عنيف ومفاجئ ومروع. شديد الترويع إذا لم يشعر كل مصري بأن طعنات الجمعة الحزينة قد أصابته هو شخصيا، كما أصابت الوطن في مقتل، فعليه أن يراجع ليس وطنيته فحسب بل أيضا إيمانه بالله وإنسانيته، وفهمه وإدراكه للمرحلة التي نمر بها!! الأسئلة بالعشرات والشكوك حول الفاعل أو الفاعلين، وحول التقصير الرسمي المزمن، وحول الإهمال اليومي الذي صار جزءا معتادا من حياتنا رغم أنه يصل إلى درجة الخيانة العظمى في فداحته وتجلياته، ولكن تلك قصة أخرى..
الاحتفال والتراكم الموجع للأحزان والآلام عند أهلنا من المصريين الأقباط، وما يقابلها من أحزان وأوجاع عند أهلنا من ذوي الجراح المفتوحة النازفة منذ حريق قطار الصعيد، أو محرقة بني سويف، أو غرق عبارة السلام!! أو أسر عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون معلنة أو سرية!! يا إلهي.. كل هذا الألم!! ثم الطعنات تفتتح أسبوع آلام السيد المسيح فتحشد وتفجر براكين الغضب الذي من السهل جدا أن يتحول إلى هياج مقدس يستدعي عصر الدماء والشهداء في مجتمع لم يعد يجد للعيش الكريم سبيلا فصار الواحد فيه يبحث عن الموتة الشريفة النبيلة طريقا للخلود، ولو على حساب أشياء أخرى أشرف وأنبل وأهم!!
كنت في بيروت نهاية الأسبوع الماضي وقضيت وقتا ساكنا ومتأملا في رحاب (سيدة الجبل) حيث يصعد الآلاف إلى (حريصا) يتلون الصلوات، وينظرون إلى الأرض من جوار تمثال العذراء الأبيض، ويوم الأحد الماضي صلى بعض الحاضرين في الكنيسة المجاورة هناك، وينبغي أن يصلي المزيد من المؤمنين من أجل هذا الوطن المسكين فهو يحتاج إلى الصلوات كما يحتاج إلى الثورات، ويحتاج إلى عمل لكي يغالب الألم بالأمل، وأنا أدعو المصريين جميعا إلى الدعاء والصلاة والابتهال والتضرع لله سبحانه وتعالى، وإذا كان أقباطنا يتشاركون الآلام مع المسيح في إعادة إنتاج الأحداث والتاريخ خلال هذا الأسبوع، فإن جميع المصريين ينبغي أن يتشاركوا ونحن بالفعل شركاء، في الهم والألم، فليأت كل منا بآلامه ولنشارك معا، ولنصلي معا، ونتضامن معا، لا سبيل لمغالبة الخوف إلا معا، وينبغي أن لا نسمح للشر بأن يحكم ويتحكم في نفوسنا وقلوبنا، وعقولنا وأرواحنا، ينبغي ألا نترك أقباطنا في مخاوفهم يستبد بهم الغضب.
إذا كانت صلواتنا مهددة، وبيوت الله مهددة والمصلون مهددين فلا سبيل إلى دفع هذه التهديدات إلا معا، اليوم ينبغي أن نصلي معا فلا ينال منا أحد, اليوم ينبغي أن نحمي الكنائس معا، نحن جميعا، نحن الناس, لنقطع يد من تسول له نفسه أن يروع مؤمنا خاشعا يصلي في محراب، أو يبكي في حضرة الرب سبحانه وتعالى, حماية المصلين واجب ديني ووطني اليوم ينبغي أن نعرف بأنفسنا المعلومات الصحيحة عما حدث ويحدث، وأن نتصدى نحن جميعا للشائعات، وأن نبدأ في ردم الفجوة النفسية والاجتماعية التي اتسعت طوال عقود بين مسلمينا وأقباطنا نحن الأطباء النفسانيين ينبغي أن نتحرك فورا لتقديم الدعم النفسي للجرحى وذويهم, ولتضميد جروح الأرواح المتألمة الغاضبة، ومن لا يعرف من زملائي أن دوره هو معالجة الأرواح والنفوس بالمعنى الشامل العميق فليراجع نفسه، وشرف مهنته وقسمه الذي أقسمه!! الصحفيون عليهم تحري الصدق والنزاهة والتعب في البحث عن الحقيقة من مصادرها، وتوثيق المعلومات بالصورة والصوت ما أمكن، نريد أن نعرف ماذا حدث ويحدث بالضبط.
القادة الاجتماعيون والشعبيون المحليون عليهم دور العمل المشترك الفوري لهدم الأسوار النفسية المفتعلة، ولتيسير تفاعل الجميع في أنشطة مدنية بناءة تتوجه للشرائح الأفقر، وما أوسعها وربما نسير معا صامتين على شاطئ البحر في صلاة مشتركة من أجل سلامتنا وسلام هذا الوطن المتوتر المضغوط لا أمل لنا ولا مستقبل ولا أمان إلا معا, فلنكن معا.
سيحاول زملائي في الإسكندرية حضور التحقيقات مع المتهم لفحصه نفسيا من جديد، فهذا دورهم وواجبهم, وهذا تخصصهم، وأرجوا أن يتقبل رجال الشرطة والسادة وكلاء النائب العام قيام زملائي بواجبهم هذا فهو مما يفيد ويضيف إلى التحقيق عمقا وضبطا وتحريا للحقيقة.
نحتاج من الدعاة والقادة الدينيين, وبخاصة الشباب منهم، إلى مجموعة عمل تنعقد فورا للبدء في النظر لتدقيق الخطابات الملتهبة المتبادلة المشحونة بالكراهية والخرافات على أرضية دينية.. الآن ومن قبل، وفيما يستجد ونحتاج إلى تنشيط دوائر للحوار المدني الدائم، والتفاعل الثقافي والاجتماعي، وبخاصة بين الأجيال الأصغر محليا وإقليميا ودوليا.
ونحتاج إلى معرفة دينية مقارنة وسليمة ربما ينهض بإنجازها معهد متخصص في دراسات الأديان لمن أراد أن يعلم بأطروحات كل دين، والانتقادات التي توجه له والشبهات التي تحيط بتاريخه ومساره، ولتكن هذه هي المساحة الوحيدة المفتوحة للمناظرات والنقاشات والصراعات الفكرية الساخنة على أرضية من معرفة منهجية رصينة، وليس كما يجري الآن على شرائط الأرصفة والميكروباص، والدعاة ذوي المعرفة الخفيفة بالدين والدنيا!!
الكثير مما يمكن عمله، وينبغي أن نبدأ فورا، لأن النيران تشتعل في ثيابنا، والحرب قد بدأت فعلا في عقولنا ونفوسنا، والآلام تتراكم مروعة في وجداننا وأرواحنا، ولابد من معالجة هذا كله لابد من إجراءات وبرامج شعبية تتجاوز الاعتذار والشجب والإدانة إلى التضامن والعمل معا لإجهاض فتنة تطل كل حين برأسها فنلقي عليها بعض التراب، وتظل نارها تستعر تحت الرماد في انتظار اشتعال جديد.
* عود ثقاب واحد يمكن أن يشعل هذا البلد من الإسكندرية لأسوان، والغضب موجود بوفرة, والعقل غائب، والنخب تلعب بالأوراق، ومن لديهم أوطان بديلة لا يعبئون بهذه السفينة التي يخرقها كل يوم حمقى جدد!! لقد استخدمت هاتفي المحمول في إرسال رسائل إلى من أثق بإيمانه من الأصدقاء ذوي أديان وعقائد وخلفيات شتى، وبدأوا فعلا في الصلاة، وأرجو أن يكون بعض الهدوء الذي قد حدث عقب الصدمات هو من نتاج هذا الجهد بما لا يغني عن العمل فورا، وليكن جهد التضامن متضافرا مع صلواتنا جميعا من أجل السلام في أسبوع الآلام.
واقرأ أيضا:
الذوق العام / الجنس في حياة الفتاة العربية! / خائنات الديجيتال / قراءة في كتاب: سيكولوجية الشائعات