الجاسوسية
ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تفشي الجاسوسية بين المصريين، والتجسس لحساب الدولة الصهيونية والتي هي العدو اللدود ليس لمصر ولكن للعرب جميعا بل وليس للعرب فقط ولكن للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وإذا بحثنا عن أسباب دفع هؤلاء الأشخاص إلى التخابر من هذه الدولة العدو لوجدنا أنه قد يكون الفقر والحاجة دفعا بعض الشباب الذين تدفعهم الحاجة إلى المال وتأمين مستقبلهم في ظل الظروف الصعبة التي تحيط بهم، مثل هذا الطالب الأزهري والذي تربى ونشأ في الأزهر وهو منهل التعليم الديني في مصر، ولكن ما الذي يدفع رجلا آخر إلى الارتماء في حضن العدو ليقدم لهم أسرارا خطيرة وهو موظف كبير يتقاضى مرتبا كبيرا يكفل له حياة كريمة وهو موظف في هيئة الطاقة الذرية؟؟
لا شك أن غياب الوازع الديني وغياب الوطنية هو السبب الرئيسي في هذا الأمر ولا أقول الضعف والحاجة لأن الإسلام يحث ويأمر بالصبر وأن ما يمر بالإنسان من كل مراحل الضعف والضيق والفقر يتغلب عليه بالصبر، والوطنية في منظور الإسلام أمر عظيم، فقد حثنا الإسلام على أن ندافع عن الأرض وعن المال وعن العرض لأن الثلاث في الوطن (الأرض، العرض، المال) والنبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه رجل يقول له يا رسول الله: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه مالك! قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله!، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد! قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار)، (مسلم (140).
هذا هو منطق الإسلام ومنهجه في الدفاع عن الأرض والوطن، الدفاع عنه حتى الموت، أما حب الوطن فيجب أن يتحلى به كل مواطن يدافع عن أرضه ويدافع عن شرفه وسمعته لأن الوطنية هي المواطنة مع الناس وجميع الناس في بلد واحد كوَّنَ لهم وطنا وجب عليهم حبه، ووجب عليهم الدفاع عنه وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة ووقف على شرفة مكة وهو مهاجر يبكي ويقول لأرضه ووطنه الذي ولد فيه وعاش على أرضه وتربي على خيراته وهو الرسول الأعظم وسيد البشر يقول: والله إنك لأحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت أبداً هذا هو قمة الوطنية في منظور الإسلام من رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
ونحن نرى من يهاجر من مصر ويعيش في بلد آخر ويكون ولاؤه لهذا البلد الجديد ويفشي أسرار بلده ليظهر مساوئها وضعفها ويظهر مواطن قوتها حتى تكون كتابا مفتوحا أمام أعداء وطنه، وهذا ليس من الإسلام في شيء وليس من الرجولة في شيء وهو ما يتنافى مع الإخلاص للوطن وحب الوطن. إذن فالإسلام نهى عن التجسس، فما هو التجسس؟؟؟ هو تقصي خبر البعض دون علمه والوقوف على أدق أسراره وتفاصيل حياته، فقد قال الله تعالي "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ" (الحجرات:12)، فإذا كان الإسلام نهى عن تجسس بعضنا على بعض فما بالك بمن يتجسس ويتحسس أخبار الوطن ثم يفضي بها إلى أعداء الوطن؟؟ إنها قمة الخيانة والمعصية، بل هي قمة خذلان وضياع الأمانة لأن الجاسوس في مثل هذه الحالة ليس أمينا على وطنه ولا أمينا على مجتمعه من حوله الذي يحتوي على أهله وأصحابه وأتباعه، لقد ضيع بذلك الأمانة وإن ضياع الأمانة من علامات الساعة.
فقد جاء رجل إلى رسول الله وقال يا رسول الله متى الساعة قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة (صحيح البخاري)، إن الإسلام يحرص على السرية في بعض الأمور المتعلقة بالمصلحة العامة للفرد والوطن لأن في بعض الأمور إذا أفشي سره قد لا يتم هذا الأمر ولذالك حرص الإسلام على كتمان الأسرار للحاجة فقد قال صلى الله عليه وسلم استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، وإذا خرج السر من الصدر تفشى أمره ولم يصبح سرا ومعرفة أعداء الوطن لأسراره وخفاياه ومعرفة مواطن ضعفه وقوته يؤدي إلى الضعف العام وتفتيت وحدة الوطن وصلابته وقوته وهو ما يتعارض مع قوله تعالي (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال:60) صدق الله العظيم.
ولذلك يقول الحكيم.. إذا المرء أفشى سـرَّهُ بِلـسانـهِ ولامَ علـيـه غيـرهُ فهو أحمقُ إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسهِ فصدر الذي يستودع السر أضيقُ!! أما عن قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعم من قوة) فإن بعض المسلمين بل غالبيتهم حكاما ومحكومين لم يعدوا العدة للعدو وكل ما أعدوه عبارة عن عبارات جوفاء لا علاقة لها بالقوة في الدنيا بل هي من أمور الآخرة وعلى المسلم أن يجمع بين الاثنين كما قال تعالى "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (القصص : 77 ).
لقد أعددنا الدعاء والابتهالات واللجوء إلى أصحاب القبور، أما عن العدو فقد أعد لنا الدبابات المصفحة والطائرات المدمرة والصواريخ الفتاكة والقنابل الذكية وشتان بين عدة وعدة، العدو أعد للنصر ونحن أعددنا الخذلان والخيبة والتواكل على الله. والله عز وجل أمرنا بالأخذ بالأسباب والعمل بالجد والاجتهاد، فرسول الله مثلا كان رسولا نبيا وكان معه القرآن كله وكان ينزل عليه جبريل فهل حارب المشركين بسورة البقرة مثلا وهل رماهم بسورة آل عمران، كلا والله ما فعل من هذا شيئا ولكنه أعد واستعد للقتال وكون جيشا له رمح وسيف فأرهب به عدو الله، فلابد أن نأخذ بالأسباب سأضرب لك مثالا إذا وضعت في السيارة مكان البنزين ماء ثم صليت ألف ركعة ما سارت السيارة ولو شربت أنت البنزين مكان الماء ودعوت ألف دعوة ما ارتويت لأن لكل تفاعلاته وهذا هو ناموس الحياة، ولكن يقبل الله منك لأنه علمك أن تعمل وتأخذ كلاّ باختصاصه فالماء يروي والبنزين يتفاعل، وهكذا فالدعاء والابتهال والتوكل لن يكون لنا قوة ولن يحل الدعاء والابتهال والتواكل مكان الرشاشات والمتريليوز! إذن علينا أن نمتثل لأمر الله ونعد العدة وصدق الله إذ قال (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)....
واقرأ أيضاً:
الحلال الفكري وارتباكات القيم / التوكل والتواكل.. دينياً ونفسياً / أخطاء الفكر وخطايا الفعل