لا مصر ولا الجزائر يستحقان تمثيل العرب في كأس العالم
ـ إذا كانت الرياضة هي مجهود جسدي يعمل على تقويته ويؤدي إلى تهذيب النفس والروح والسلوك الإنساني، فكل ذلك للأسف لم نره لا في الجانب المصري الذي أبدى اهتمامه برياضة كرة القدم كما لو كان الفوز فيها أعظم إنجاز على وجه الأرض ولهذا خسر، ولا رأيناه في الجانب الجزائري الذي فاز في مباراة المريخ بالسودان... كلاهما بنظري لا يستحقان أن يُمثل أي منهما العرب في مباريات كأس العالم لأنهما افتقدا الروح الرياضيـة الأصيلـة التي تدفع أي فريق لتقبل فكرة الهزيمـة بروح رياضيـة عاليـة، أو تقبل الفوز بتواضع بعيداً عن الغرور والمكابرة...
الفريقان المصري والجزائري ربما كانا على درجة كبيرة من المهنية والحرفية في اللعب، أظهرا إبداعهما في المباراتين لا أحد ينكر ذلك، ولكنهما للأسف تركا أنفسهما لأيادي الشر والفساد تعبث بهما وتتاجر بهما، ورضيا الاثنين معاً أن يكونا حصانين يُراهن عليهما المقامرون في سباق للخيل، وبالتالي فالحصان الفائز عليه يكون ركوبة سهلة أو مطية ينطلق حيث الوجهة التي يُريدها ذلك المقامر!
ـ السيد جمال مبارك الذي كان يُراهن على فوز المنتخب المصري ليُسجل لنفسه إنجازاً لم يحصل عليه في أي مجال من المجالات الحيوية في مصر، مستغلاً رغبة المصريين المحمومة في أي انتصار ولو على الساحة الرياضية بعد أن فقد الأمل في أي إصلاح مصري في المجالات الأخرى كافة، ولعب على الوتر وعزف سيمفونية "مصر هي أمي، نيلها هو دمي"، واهتم بالمباراة بين الفريقين وسخَّر لهذا الهدف كل إمكانيات الدولة من إعلام وفضائيات وأموال، وحوَّل الأمر كما لو كان ساحة معركة شحن فيها عواطف المصريين وحوَّلها من مجرد مباراة رياضية إلى قضية انتماء وهوية مصرية تستحق "القتال والدفاع" عنها بشراسة وسمح للأقلام الفاقدة للضمير والوعي أن تؤجج مشاعر كل مصري في الداخل والخارج؛
وكأن تشـجيع الفريق المصري واجب وطني لا يعلو فوقـه أي واجب آخر!! ونسي أو تناسى أن "الكورة" ما هي إلا رياضة من حق كل إنسان أن يُشجع الفريق الذي يراه لاعباً أفضل في الساحة دون أن يكون لأحد حق التشكيك في انتماءه ووطنيته! فهل يحق لأحد التشكيك في انتمائي ووطنيني وحبي لبلدي لو شجعت الفريق الجزائري مثلاً؟ ولكن لأننا في زمن ضياع الهويـة وطمـس الانتماء واختلاط المفاهيم والأوراق... باتت "الكورة" هي عنوان الهويـة ودليل للانتماء... وأخشـى ما أخشـاه أن يأتي يوما يُسـأل فيه كل مصري عن انتمائه الكروي!!! فإن كان ميالاً للمنتخب البرازيلي مثلاً فيكون من وجهة نظر السادة رجال لجنة السياسات الخارجية خائن وعميل وفاقد للهوية المصرية ومشكوك في انتمائه للوطن!!
ـ السيد عبد العزيز بوتفليقة اعتبر فوز الفريق المصري بهدفين في القاهرة عار على الجزائر "لا يمحوه إلا الدم"؛ فشحن كل إمكانيات الدولة للمباراة النهائية، ووصل به الأمر إلى تسخير الطائرات الحربية للجيش الوطني الجزائري لنقل المشجعين الجزائريين إلى السودان وسمح للإعلاميين بالتطاول على مصر وشعبها، ونسـي الجميع أن حكومـة بوتفليقـة التي تُتهم بالتزوير والفسـاد أرادت من الفوز التغطيـة على مشـاكل النظام الداخليـة وحالات الفسـاد المسـتشـريـة في كل أرجاء الجزائر، فتحول المنتخب الجزائري من مجرد فريق كروي رياضي إلى حصان في حلبة سباق المقامرين، وبطاقـة رهان رخيص يلعب به السكارى والفاسدين.
ـ حينما تتحول سـاحات الرياضـة إلى سـاحات ردح وشـتم وانحطاط أخلاقي، حينما يصل الفسـاد ويُطل برأسـه على الرياضـة فعلينا أن نلعن تلك اللعبـة ومن ابتدعها، وأن نركل تلك "الكورة" بأرجلنا وأحذيتنا إلى مزابل التاريخ لأنها لم تُعلمنا الأدب ولم تسـمو بسـلوكياتنا حتى نُجبر العالم على احترامنا وتقديرنا، وعندما يصل الأمر بنا إلى الدرك الأسـفل ونرى كُتابا كانوا في نظرنا كباراً يقذفون بسـلاطـة لسـانهم كل ما هو جزائري ومصري ويُشـوهون تاريخ البلدين ويتبادلون الشـتائم والمعايرة..
فهذا لعمري يُذكر الجزائر بفضل جمال عبد الناصر على الثورة الجزائريـة، وآخر يرد بأن "الجزائر بلد المليون شـهيد ومصر بلد المليون راقصـة" حينها لا بد أن نُدرك أن الرياضـة أفسـدت أخلاقنا ولم تعمل على تهذيبها... وحينها لا بد أن نصل إلى حقيقـة ألا وهي أننا لا نسـتحق أن يكون لنا أي موقع على خارطـة العالم لأن لا الدين هذَّب أخلاقنا ولا الرياضـة علمتنا أدب الحوار والتواصل... ولا هذا الفريق يُمثل العرب والعروبـة ولا الآخر عنوان الشـرف والفضيلـة...
ـ تبعات جريمة الشحن الإعلامي من كلا الطرفين ـ المصري والجزائري ـ لم ولن تنتهي؛ فإفرازاتها ستستمر بين البلدين وسيدفع الشعبين الثمن، فها هي مصر تستدعي السفير المصري في الجزائر للتشاور على خلفية أحداث العنف التي صاحبت مباراة منتخبي البلدين لكرة القدم المؤهلة لنهائيات مونديال 2010 في جنوب أفريقيا (سابقة خطيرة لم تحدث من قبل)، وسيعقبها بالطبع سحب السفير الجزائري من القاهرة على خلفية التظاهرة التي قام بها بعض الغوغائيين أمام السفارة الجزائرية، تلك التظاهرة التي طالبت بطرد الجزائريين من مصر، وعلى خلفية تصريحات السيد علاء مبارك التي صرح فيها "أن جماهير الجزائر مجموعة من المرتزقة"...
وها هم الفنانون المصريون يُعلنون مقاطعة المهرجانات الفنية التي ستُقام في الجزائر، ـ يا للمهزلة ـ وها هو الإعلام الجزائري يصب جام غضبه على كل من تمنى الفوز للمصريين، وها هو الإعلام المصري بصحفه وفضائياته يستغل ما حدث من أعمال شغب في الجزائر ضد المصريين هناك ليُبرر حملته الشعواء التي شنها على المنتخب الجزائري وشعب الجزائر قبل مباراة القاهرة...
هذا الزلزال الذي دمر العلاقـة الحميمـة بين بلدين وشـعبين شـهد لهما التاريخ يوماً بأنهما مفخرة للعرب وللمسـلمين في نضالهما وعنوان الكرامـة والشـرف... ها هو التاريخ يُسـطر لهما أسـوأ انحطاط أخلاقي على يد زبانيـة السـياسـة والأقلام المسـمومـة، في الوقت الذي تُسطر فيه منظمة الشفافية الدولية فضيحة لكلا البلدين في تقريرها والذي صدر أول أمس يفيد ويؤكد أن:
"احتلت مصر والجزائر المركز الـ ١١١ مكرر في الشفافية، بينما وضعت قطر في المركز الـ ٢٢ باعتبارها أكثر الدول العربية شفافية، تلتها الإمارات ٣٠ وعُمان ٣٩ والبحرين ٣٦ والأردن ٤٩ والسعودية ٦٣ وتونس ٦٥ والكويت ٦٦ والمغرب ٨٩ واليمن ١٥٤، والصومال الأخيرة عالمياً) وبما أن الشـفافيـة مفقودة في كلا البلدين فعلى الشـعوب أن تعي أن النظامين في البلدين اسـتخدما تلك المباراة لأغراض سـياسـيـة، وأن الشـحن الإعلامي كان مقصوداً وهدفـه التغطيـة على ما هو أسـوأ بالداخل من فسـاد وتزوير وتدليـس وانحطاط وفشـل ذريع في إدارة الأزمات وحل المشـكلات الاقتصاديـة والاجتماعيـة على وجه الخصوص.
ـ لم أكن يوماً أتمنى لأي بلد عربي أن يخسر في أي مجال من المجالات بقدر ما تمنيته اليوم... لأننا كشعوب وكأنظمة لا نستحق الفوز... فالفوز شـرف يسـتحقـه من يعرف معنى الكرامـة والشـرف، ويسـتحقـه من يفهم معناه، ومعناه عندي كان "سواء فازت مصر أو الجزائر فكلاهما بلد عربي يُمثل الجميع"، أما وقد سعى كل طرف لنيل الفوز لنفسه... نفسه فقط دون الآخرين... نفسه الأنانية... فهو له ولا يُمثل إلا نفسه... ولا يدعي أحد بعد الأحداث التي أدمت قلوب الشرفاء أنه يُمثلنا نحن كعرب، فالكل خاسـر في تلك المعركـة حتى لو فازت الجزائر بكأس العالم، ومصر لم تخسر المباراة فقط بل خسرت الجزائر كدولة وشعب؛
خسرت دولة شقيقة لها مكانتها في قلوب المصريين، والجزائر وإن فازت فمن المؤكد أنها مع الأيام سـتُدرك أن هذا النصر ليـس أهم من محبـة شـعب كان يوماً لها سـنداً وأرضاً احتوت كل العرب ـ يوم كانت مصر أرض لكل العرب ـ!!! فلتفرح الجزائر بفوزها ولكنها أبداً لن تُمثل كل العرب، ولتبكي مصر على خسارتها ولكنها خسارة تستحقها ربما لكي تفيق من غيبوبة الإعلام الرسمي الموتور الذي تاجر باسمها وشعبها لكسب ودِ الوريث القادم لها... إنها معركة الفاشلين...
الكل خرج منها مهزوم وخاسر... وهل نستحق نحن كشعوب من يُمثلنا في المحافل الدولية خاسر أو مهزوم؟ ربما فعلاً نستحق لأننا أيضاً مهزومين على يد عصابات تحكمنا وتتحكم بنا وتوجهنا إلى الوجهة التي تريد... وما دمنا كذلك فالقادم انتظروه فهو أسوأ مما فات...
__________________________________
عن عبد الله بن عباس وعمرو بن ميمون: قال رسـول الله صلى الله عليـه وسـلم: "اغتنم خمسـاً قبل خمـس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سـقمك، وفراغك قبل شـغلك، وشـبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك.
المصدر: صحيح الجامع
واقرأ أيضاً:
اعترافاتي الشخصية: مصر لما بتفرح/ هزمنا جميعا قبل أن تبدأ المباراة/ مصر كلها الآن ترقص كيف الجزائر؟/ لعبة الكرة واللعب بالأوطان/ قبل أن يختلط الحابل بالنابل مشاركة/ مصر كلها الآن محبطة كيف الجزائر؟/ قبل أن يختلط الحابل بالنابل