صحافة وإعلام وتشويش
عند أي بائع جرائد مصري ستجد هذه الأيام صحفا حكومية، وأخرى حزبية معارضة، وصحف مسماة بالمستقلة، وأخرى صفراء فاقع لونها لا تسر غالبا، ونمط جديد من الصحافة الذي أسميته الصحف المبقعة!!!!
طوفان من الأخبار والتحقيقات والصور والمعلومات والمقالات في أي شيء، والنتيجة تفتيت سوق القراءة، بل وتحويله إلى سيرك أو شارع مزدحم بالحواة، ومدربي القرود، والباعة الجائلين، والنشالين، وعابري السبيل، والمتسولين، وهذا طبيعي أن يوجد في الطريق العام، ولكن أن يوجد في الصحافة!!!
عناوين ملتهبة، وصور ساخنة، ووعود كاذبة عن موضوعات تجدها مجرد إشاعات أو كلمة من هنا وكلمة من هناك.
ضجيج كبير إذا أضفناه إلى زحام القنوات الفضائية بما تذيعه على مدار اليوم، وما تقذف به شبكة الانترنت من معلومات ومواد فسنجد أنفسنا غارقين تماما بما يمكن أن يصيب المتلقي بشلل أو عجز من الاستيعاب أو التواصل، ووجدت شبابا يعانون من حالة يمكن وصفها بأنها تلعثم معرفي وسلوكي يظهر في أسلوب التفكير والكلام، وأعتقد أنه مرض لم يتم تشخيصه بعد، ويحتاج إلى علاج لأنه يستفحل ويتوغل وينتشر ويزيد.
عندي مشكلة مع هذا الزحام، ولذلك أرفض حتى الآن تركيب طبق لاقط للإرسال الفضائي "دش"، وأختار صحفا معدودة أستمتع بقراءة المنتقى منها خلال الأسبوع، ويساعدني صديقي في تدارك بعض ما فاتني هنا أو هناك.
قرأت من قبل عن مأزق عصر المعلوماتية، وتصورت أن كثرة المعلومات مثل ندرتها إن لم تكن مصحوبة برؤية واضحة ثاقبة لديها القدرة على موازنة ما تتعرض له من قصف بالأرقام والصور، وما يمكنه التأثير عليها من آراء وأفكار متعارضة، ومتناقضة أحيانا، وتفعيل ما تستخلصه من حقائق بعد ذلك.
إذا لم تتوافر هذه الثقافة أو المعرفة فإن إمكانية الخداع، وليس مجرد التشويش، تبقى كبيرة، وأحسب أن الكثيرين منا واقعون تحت وطأة هذا النوع من الخداع الناعم.
وخطورة هذا الخداع أنه يصيب بأمراض عضال أصبحت تستشري في الذهن العام، وتؤثر على سلوكنا بالسلب، وتساهم في تأخير نهضتنا.
تقابلت أمس مع مجموعة من الشباب وكنا نتناقش حول فيلم أنتجوه بتكاليف بسيطة، وحول فكرة بسيطة، وبتنفيذ بسيط، ولكن النقاش الذي دار كان محملا بالكثير من المفاهيم والمصطلحات والكلام الكبير الذي يتردد دائما حول الفن والإبداع وأدوارها وعلاقتهما بالمجتمع، والفيلم كان أبسط من كل هذه النقاشات، وهذا لا يعيبه، لكن العيب في التفكير والتقييم والسباحة في بحار وهمية خلقها هذا الجهاز أو ذاك من أجهزة الإعلام بحيث أصبح عالم ما يذيعه الإعلام، وهو خيالي وتشوش ومعيوب في مرجعياته ومعاييره، وفي ارتباطه المنطقي بالواقع الذي من المفروض أن ينبع منه، ويخاطبه في آن واحد .
أنا منزعج جدا من علاقتنا بالإعلام، ومن تركيبة إعلامنا الحالي، وأجده مسئولا عن نواحي من الخلل الموجود في عقولنا وحياتنا، ومش عارف أعمل إيه.
واقرأ أيضا على مجانين:
على باب الله ما أروعك يا مراكش–18/4/2005/ على باب الله: التغيير – 19 / 4 / 2005/ على باب الله: بناة الحضارة – 20 / 4 / 2005/ على باب الله: تداعيات أربعينية/ على باب الله: حتى لا تتكرر أخطاءنا