(صور-8) نهاية النفق المظلم
بدأت رحلتي مع القراءة منذ عرفت كيف أفك الخط، ولا تزال، وأستطيع أن أرصد عددا المراحل التي مررت بها تختلف فيما بينها في مستوى المادة المقروءة أو نوعية الموضوعات التي تقرأ والاختيارات فيما بين البدائل المختلفة:
المرحلة الأولى بدأتها ربما في سنواتي الأولى بمدرسة حسن باشا طاهر الابتدائية وذلك بشراء بعض القصص الرخيصة التي كانت تنشرها إحدى دور النشر المتخصصة بالفجالة وكانت القصص لا تحتوي إلا على سطرين مقروءين وصورة كبيرة ملونة، وكان ثمنها رخيصا ومناسبا لنا إذ كنا نشتريها بستة مليمات من دكان في ميدان بركة الفيل كان يبيع القصص والكتب والأدوات المدرسية مع بعض الخردوات.
أما المرحلة الثانية فقد انتقلت إليها ربما من السنة الثالثة بالمدرسة وذلك بقراءة المجلات وبخاصة مجلة ميكي ومجلة سمير في بعض الأحيان، ولأن ثمن المجلة في ذلك الوقت كان ثلاثة قروش وكان مصروفي في اليوم هو نصف قرش (تعريفة)، ولأنني كنت طفلا أحب أن أشتري بعض الحلوى أو الأشياء التي يشتريها الأطفال أحيانا، فقد كنت أتغلب على تلك الصعوبة بأحد طريقين:
إما استئجار أو شراء المجلات القديمة من بائع الفحم في ميدان بركة الفيل، وقد كان ثمن الشراء قرش صاغ، وثمن الاستئجار هو نصف قرش وهو أمر كنا نتعاون فيه أنا وأختي إيمان التي تكبرني بثلاثة أعوام فقط، أما الطريق الآخر فهو الادخار وهو أمر كنت أجتهد فيه وأحرم نفسي من متع الأطفال البسيطة لأفعله وذلك من أجل شراء العدد الجديد من المجلة، ولكن المشكلة كانت تحدث أحيانا حينما كنت أتقاعس عن التحويش بعض الشيء فلا أكمل ثمن المجلة، أو حينما يكون عدد المجلة معه هدية غير ورقية (بلاستيك في الغالب) والتي كانت ترفع سعر المجلة إلى 5 قروش، ولولعي الشديد بالقراءة وإصراري على شراء المجلة اضطررت مرتين اثنين إلى الاقتراض، المرة الأولى كانت من البقال الذي كان على ناصية حارة حليم حيث كنا نسكن واقترضت منه 3 قروش، وأظن أن الموضوع مر أيامها بسلام وتم سداد القرض، أما المرة الثانية فكانت اقتراضي من جارتنا أم يسري (رحمها الله) التي كانت تسكن في الطابق الذي تحتنا، ويومها علمت أمي (رحمها الله) بالأمر فكان نصيبي علقة ساخنة لأنها تكره السلف، وتريدنا أن نعتاد على أن نسيًر أمور حياتنا بما معنا مهما قل، ومن ثم لم أكرر هذه الغلطة مرة أخرى، ولكنني أحيانا كنت أتأخر عن موعد شراء المجلة في يوم الخميس من كل أسبوع، فكنت أسير مسافة طويلة ربما كانت تصل حتى ميدان باب الخلق أسأل باعة الصحف واحدا واحدا عن المجلة.
أما المرحلة الثالثة فقد كانت في سنواتي النهائية بالمرحلة الابتدائية حينما أحسست أنني كبرت على أن أستمر في قراءة ميكي وأحسسن بالخجل من نفسي وبخاصة حينما تعرفت على صديقي عاطف السنوسي، والذي كان يسكن قرب مسجد طولون والذي عرفني على بائع ومؤجر أعداد قديمة لعدد من المجلات اللبنانية المترجمة مثل سوبرمان والوطواط وبونانزا والتي كنا نعد قراءتها علامة على أننا كبرنا.
المرحلة الرابعة والأخيرة في مراحل القراءة في الفترة الابتدائية كانت بالانتقال من قراءة المجلات إلى قراءة قصص الأنبياء، وكان ذلك أيضا تعبيرا عن مزيد من النضج، فقد ذهبت لشراء بعض أعداد سلسلة قصص الأنبياء لمؤلفها محمد أحمد برانق من على سور كتب السيدة زينب والذي كان يقع في الميدان عند منتهى شريط الترام الذي كان يصل السيدة بالعباسية، والتي استطعت بعد ذلك أن أشتري أعدادا جديدة من باقي سلسلتها إضافة إلى سلسلة القصص الديني التي كانت تصدرها دار المعارف، لا أذكر الآن من أين جاءت النفحة أو المنحة التي اشتريت بها القصص، لكنها على كل حال كانت معونة خارجية ربما كانت من أختي الكبرى آيات، أو من أبي..لا أذكر، فلم تكن ميزانيتي تسمح بشراء الجديد إلا لماما.
ويتبع >>>>: (صور-10) رحلتي مع القراءة-2
اقرأ أيضاً:
قافلة العمل الخيري الجديد..حدوتة مصرية / وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا