(72)
موامس النظام
كان من الطبيعي عندي أن يرفض الشعب التونسي إشراك كل رموز النظام السابق في الحياة السياسية أو في التشكيل الوزاري الجديد. فهؤلاء في نظري مجرد موامس أو عاهرات يمارسون الدعارة السياسية. والمقارنة بين موامس الجنس وموامس السياسة أمر حتمي هنا. فكما هو معروف فإن المومس إنما تؤدي مهمة ولا تمارس أبداً حبا. بمعنى أنها تفعل ما تفعله لتبسط الزبون نظير مقابل مادي يتم تحديده حسب قيمة المومس في السوق فمن الممكن أن تجد مومس فقط بعشرة جنيهات مصرية؛ وأيضا من الممكن أن تجد مومس بخمسين ألف دولار أمريكي لليلة واحدة. الفارق بينهما في الوجاهة والشياكة والقيمة الاجتماعية للمومس، فلا يمكن أن تتساوى مومس من حي شعبي فقير بأخرى عضوة في نادي اجتماعي راقي. أو أن تتساوى مومس لا تعرف القراءة والكتابة مع مومس حاصلة على شهادة عالية.
كما يتحدد الأجر أيضاً حسب أداء المومس، إلا أنهم جميعاً يتفقون في سعيهم وقناعتهم بضرورة إرضاء الزبون. كما يتفقون في أنهم جميعاً منفصلون عما يقومون به؛ بمعنى أنهم يؤدون أداءاً لا متعة فيه أو حب ودون إيمان بما يفعلون. هم فقط يسعون لإرضاء الزبون، فتُسْمِعُ الزبون ما يتمنى أن يسمعه من أصوات لتوهمه أنها مستمتعة وأنه الفارس المغوار الذي يفعل ما لم يفعله أحد من قبل بها. وأوضح دليل على ذلك هو أن كثير ممن يمارسن الدعارة عن طريق التليفون يُسْمِعن الزبون كل ما يرغب في سماعه من أصوات؛ وقد تكتشف أنها كانت تقرأ الجريدة أثناء ممارستها لهذا النوع من العمل. فالمومس الذكية تقوم بعمل كل الحركات التي تضمن لها بدوام الاستمرار على قائمة المطلوبين لدى الزبون. أغلبهن يمارسن الدعارة حباً وجشعاً في المال وفي الحصول على أية مزايا أخرى؛ والبعض الآخر للحقيقة يفعل ذلك مضطراً؛ بحثا عن ثمن دواء أو لدفع ضر أحد البلطجية الذي سيكيد لها إن لم تفعل.
أعتقد أن الحال لا يختلف كثيرا بين المومس في عالم الدعارة الجنسية والمومس في عالم الدعارة السياسية. فالمسئولون السابقون في الحكومة وأعضاء الحزب الحاكم ذي القاعدة العريضة في الشعب ورجال الأمن الداخلي هم مجرد موامس يفعلون كل ما من شأنه أن يسر النظام. وكل مومس من هؤلاء له قيمة في سوق العمل السياسي ولدى قائد المسيرة، فمن الممكن أن تجد من يتقاضى آلآف الدولارات وآخر يعمل فقط مقابل جنيهات زهيدة.
وقد تجد من يسعد ويتمسك بالدعارة السياسية كمهنة بل ويفخر بكونه مومس؛ كما أنه ملتزم بتوقيع الكشف عليه لدى أجهزة النظام لضمان خلوه من أية أمراض مثل الشرف والأمانة. وقد تجد بعضهم وهم قلة يفعلون ذلك اضطراراً؛ لدفع الضر عنهم أو للبقاء أحياء. الشياكة والوجاهة الاجتماعية أيضاً لها ثمنها في عالم الدعارة السياسية؛ فلا يمكن أن يستوي في الأجر بلطجي يحمل مطواته لترهيب أعداء النظام، أو بوق كريه يطلع كل يوم علينا في شاشات التليفزيون ليعدد لنا محاسن النظام، مع رئيس تحرير جريدة أو رتبة كبيرة في قوات الأمن الداخلي أو مومس بدرجة وزير.
كما أن نوعية الأداء وجودة حقارته تحدد الأجر الذي يحصل عليه موامس النظام. وجميع هؤلاء على اختلاف طبقاتهم يتفقون في شيء واحد هو إرضاء بئس العابدين بن علي. كما أنهم جميعاً منفصلون عما يقومون به؛ فهم مجرد أدوات لإرضاء الزعيم. وأعتقد أنه لهذا كان يسيراً على هؤلاء انضمامهم للوزارة الجديدة المؤقتة بعد الإطاحة بالرئيس، فالواقع بالنسبة لهم أنه مجرد زبون وأنهم حسبما تقتضيه أصول ممارسة مهنة الدعارة السياسية عليهم القيام بكل ما يمكن أن يقوموا به من حركات من أجل إشباع رغبات ونزوات الزبون؛ ذلك من أجل ضمان بقائهم على القائمة المفضلة له. إن كل ما حدث في نظرهم من إسقاط للنظام في تونس؛ فقط أنه قد تم تغيير اسم الزبون.
الدليل على أن هؤلاء مجرد موامس لأي مسئول يدفع أو نظام؛ أنهم لم يستحوا وأمروا بضرب المتظاهرين الذين لولاهم لما استمروا في السلطة إلى الآن. فهؤلاء الموامس يعتقدون أن بقاءهم في السلطة لم يأتي إلا بسبب أدائهم الجيد كموامس سياسية؛ وأنهم يعرفون ما هو مرغوب من حركات دون أن ينطق الزبون. فهم موامس مرخصون؛ محترفون؛ ولاؤهم لمن يدفع طالما كان قادراً على دفع الثمن. الحال كذلك مع قوات الأمن الداخلي الذين لم يستحوا بعد كل هذه الأحداث ولم ينضموا إلى الشعب كما فعل الجيش، وإنما سارعوا بممارسة ما يعرفونه من دعارة للنظام بضرب هؤلاء المتظاهرين عند أول فرصة سنحت لهم، طالما جاءهم الأمر من سيدهم وطالما أنه سيدفع لهم الثمن.
علينا أن نقرر أيضا أن الجيش في تونس ليس ضمن هؤلاء الموامس لذلك كان رفضه للمشاركة في ممارسة الدعارة؛ تلك المهنة التي لم يمتهنها يوما. فالجيش في تونس هو في علاقة حب وإخلاص وولاء لتونس الدولة وليس السلطة أو الرئيس. الجيش في تونس لا يحقق رغبات من له يدفع. يستحيل على الشريف أن يمسي بين ليلة وضحاها مومسا؛ يفعل كل الحركات التي تسعد سيده. فلا سيد للجيش إلا الوطن؛ الذي يرتبط به في علاقة شرعية لا خيانة فيها ولا دعارة. وللحق كان بعض رجال الأمن الداخلي الذين أجهشوا بالبكاء فرحاً وكفوا أيديهم عن أذى إخوانهم؛ أشبه بمن امتهنت الدعارة من أجل إطعام أبنائها أو بالإكراه من أجل دفع الضر، لهذا ندعو لهم الله أن يتقبل توبتهم.
لهذا كله كان من الطبيعي جداً في تصوري بل ولزاماً على الشعب التونسي أن يخرج الى الشوارع ثانية رافضاً هؤلاء الموامس؛ رافضاً إشراكهم في الوزارة وفي الحياة السياسية الجديدة، فالشعب ببساطة يريد زواجاً شرعياً يتميز بالولاء والحب والإخلاص بين أطرافه. لهذا أتت رسالتي هذه لأقول "يا شعب تونس احذروا موامس النظام".
(73)
أقولها لك مجدداً إرحل أيها الرئيس
بالأمس تحت عنوان "إرحل أيها الزعيم" كتبت أقول:
"ماذا لو أن عائلة الزعيم قرأت جيداً والحاشية، ماذا لو أنهم قد أدركوا أن النهاية حتماً آتية. ماذا لو قرروا قلب ملهاته إلى تراجيديا باكية. ماذا لو أنهم ركنوا على أن قلوب العوام دوما حانية. هل يمكن للإبن أن يقتل أباه؟!! أيدسّون السُم للزعيم؛ طمعا في كرسي باليا؟!! ويقيمون المآتم فيأتى الكل باكيا؟!! ويخر الرعاع سجدا؛ داعين لهم بالبقاء ما طاب لهم أن يبقيا.
لم تكن هذه مجرد كلمات أهذي بها، بل كانت استشعاراً لما يمكن أن يحدث في المستقبل. وعجباً إذ أن هذا المخطط بالضبط هو ما كشفت عنه ونقلته البرامج الاخبارية المتابعة للشأن التونسي وما يجري فيها من أحداث؛ فقد ذكرت الأنباء أن ليلى زوجة بئس العابدين بن على كانت قد قررت التخلص من زوجها وحددت لذلك موعداً في عام 2013؛ وبنفس الاسلوب الذي تخلص فيه زوجها من الحبيب بورقيبة، وذلك بأن يتم إقالة الرئيس من منصبه بحجة تدهور حالته الصحية؛ وتقوم هي بترشيح نفسها للرئاسة؛ ليقوم أخواتها وحاشيتها بتنظيم المظاهرات ليخرج الشعب فيها مؤيداً ومهللاً لتصبح هي رئيسة الدولة خلفاً لزوجها.
السؤال الآن لماذا تفكر هي في هذا المخطط الشيطاني وهي التي بيدها مقاليد كل شيئ؟!! ماذا ينقص هذه الزوجة حتى تنقلب على زوجها الرئيس. الاجابة أنها استشعرت ضعفه وأدركت أنه لا فائدة من بقائه حيا؛ فلماذا إذن تنتظر حين يموت؛ فقد يحدث في الأمور أمور لا تُحمد عقباها. لماذا إذن لا تقوم هي بهذا الإنتقال للسلطة المأمون العواقب. فتضمن بقائها وعائلتها على رأس الحكم محافظين على كل مكتسباتهم ومغانمهم التي قد غنموها طول سنوات الحكم الطويلة.
هذا السيناريو الشيطاني استشعر دائما أنه وارد في عقول عائلات كثير من قادة بعض بلدان العالم العربي. نعم إذا ماشعرت عائلة الرئيس أن الأب أصبح ضعيفاً غير قادراً على حكم الأمور وأن هناك إحتمالية أنقلاب الشعب عليهم؛ وأنهم سيفقدون كل مكاسبهم التي حققوها. فإنهم حتما سيدبرون المكائد مثلما كانت تدبر ليلى زوجة بئس العابدين بن علي. قد تقايض عائلة الرئيس أباهم؛ أنْ البقاء حياً مقابل إنتقال سلمي للسلطة لهم ومباركته له في العلن. إذا ما حدث هذا؛ فأعتقد أن القتل هو مصير أبن الرئيس عندما يصير رئيساً؛ ليلقى هو ما كان أبوه حتما سيلقاه بأيدي أبناء الشعب الثائر. شكراً لبوعزيزي؛ شكراً لشعب تونس الذي أفسد المخطط الشيطاني لزوجة بئس العابدين بن على؛ بل وأفسد مخططات كل العائلات الحاكمة في بلادنا العربية. لهذا أقول دائما لهؤلاء القادة "إرحلوا قبل أن تُقْتَلوا؛ إرحلوا قبل نهاية لكم دامية، فالثورة لا محالة آتية".
(74)
عفواً هناك فرق
في تونس أكثر من ثمانين بالمائة من الشعب يمتلك مسكنه بينما لدينا كثيرون يسكنون العشوائيات. في تونس الشعب معظمه إن لم يكن كله لا يخشى المرض فلديه تأمين صحي بينما نحن ترعبنا مجرد فكرة الإصابة بالمرض. في تونس تكاد لا توجد أمية بينما لدينا بعد التلاعب في الإحصائيات؛ أربعون بالمائة من الشعب أمي. في تونس دخل الفرد ستة ألآف دولار أمريكي في الشهر بينما لدينا أربعون في المائة من السكان تحت خط الفقر.
في تونس أحرق بوعزيزي نفسه وقال للشعب ثوروا فلبوا النداء، بينما لدينا يعلوا الصراخ كل يوم أن أفيقوا وقولوا لا؛ ولكن كأن الحديث كان للأموات. لدينا إذا ما انفجر إطار سيارة نسبوه إلى القاعدة، أما في تونس ورغم كل مساوئه فقد رفض بئس العابدين بن على أن يلقى على القاعدة باللوم بأن لها يداً في الأحداث، خوفاً على تونس من أن تتأثر بها السياحة. فهل يعني هذا أنه حتما هناك فرق بيننا وبينهم هناك.
ويتبع>>>>>>>>> : حكاوي القهاوي (17)
واقرأ أيضاً:
هيلن كيلر معجزة لن تتكرر / ولمَ لا؟ / حكاوي القهاوي
واقرأ أيضاً:
هيلن كيلر معجزة لن تتكرر / ولمَ لا؟ / حكاوي القهاوي