حكاوي القهاوي (20)
(89)
ما قبل النهاية
تُفتح ستارة المسرح ليدخل أحد الممثلين الذين يلعبون دوراً ثانوياً؛ ليقف مواجهاً الجمهور في مشهد يظهر فيه جمهور الحضور وكأنه شعب الإمبراطورية. يصرخ الممثل منفعلاً في الجمهور "أن قفوا بجانب الإمبراطور، لا تتخلوا عنه أيها الرعاع الأوغاد؛ هل تتمردون على سيدكم الذي طالما أطعمكم وسقاكم من خيراته؛ هل الخيانة هي رد الجميل؛ هل نسيتم كل ما فعله من أجلكم؛ هل نسيتم بطولاته". يخرج الممثل وهو محتقن الوجه وقد كست وجوه بعض من جمهور الحضور علامات التأثر والتعاطف مع سيدهم الإمبراطور. بينما يعلق آخر ساخراً لزوجته التي كانت ترافقه قائلاً همساً في أذنها "هكذا هم دائماً، موامس النظام". البعض الآخر ظهرت على وجهه علامات التشوق لما سيقع من أحداث تالية؛ وكيف ستكون النهاية. يخرج الممثل مسرعاً فرحاً بظهوره على المسرح؛ مكملاً دوره لاعناً الزمن الذي جار على الإمبراطور العظيم. أثناء خروجه مسرعاً تسقط قطعة ذهبية من جيبه المنتفخ والذي يبدو أنه ثَقل بما يحمله.
تدخل بعض المجاميع الصغيرة من الكومبارس ليفترشون أرضية المسرح، يتهامسون فيما بينهم هل حقاً تتهاوى الإمبراطورية؟!! هل حقاً سقط الإمبراطور؟!! هل حقاً هربت العائلة المقدسة من البلاد حاملة كل ما يمكن حمله من جواهر وحلي وأموال؟!! هل حقاً تخلى شيوخ التجار عن الإمبراطور وهربوا من البلاد بأموالهم؟!! هل نحن نحلم أم أنها الحقيقة؟!! هل يسكت أزلام النظام؟ ترى ما الذي تخبئه الأقدار لنا وللإمبراطور؟!!
يدخل المسرح كبير الوزراء يشدّ على أيدي كل فرد من أفراد تلك المجاميع فيجلس معهم على الأرض؛ ويضحك ويحتسي معهم بعض من أكواب الشاي غير المحلى بعدما اختفى السكر من الإمبراطورية. يطمئن كبير الوزراء على العامة من الشعب، ويطمئنهم أن كل شيء بخير وأن الإمبراطور بصحة وعافية وأنه عائد كما كان أو أفضل. وأن الإمبراطور العظيم قد أوكله ليبحث بنفسه في أي مظلمة لهم، فالإمبراطور قد أمره بنشر العدل والأمان بين الناس كافة، وأنه لا ظلم بعد اليوم.
ينسحب جميع الكومبارس من على خشبة المسرح، ليظهر الإمبراطور وسط بقعة شديدة من الضوء؛ بينما خفتت الأضواء في باقي أركان خشبة المسرح. يقف الإمبراطور شامخاً في مكانه؛ غير مترنح هذه المرة على عكس الأسابيع الفائتة تلك التي توالت فيها الأحداث الجسام على الإمبراطورية وعلى رأس الإمبراطور نفسه. تعلن ملامح وجه الإمبراطور عن نضارة أكسبته إياه المساحيق التي وضعها متخصصون ماهرون ليبدو الإمبراطور للناس كما يتمنى هو أن يكون.
تحدث الإمبراطور لجمهور المشاهدين وكأنهم الرعية، كان صوته فيه ثقة وثبات؛ وقد أخذ يتلاعب في مهارة شديدة بنغمات صوته ليعطي للعامة رسالة بأنه كسابق عهده وأن شيئاً لم يتغير رغم الجسام من الأحداث. فظن جمهور المشاهدين أن الإمبراطور قد عاد كما كان وأنه سيبطش بأعدائه ويسترد زمام إمبراطوريته المتهاوية وأنه قادر على قيادة المعركة ضدهم. قال الإمبراطور بثقة وتؤدة إلى من يسألني متى الرحيل أقول إني باقيا. كنتم فيكم ثلاثون عاماً وسأظل الجلاد والقاضيا. أقول لمن ظن أنه قد آن أوانيا ولمن أفسد عليّ حلميا، ورب من خلق الجبال رواسيا لأسلخن رؤوسكم يا أولاد الزوانيا، وإن غداً لناظره حتماً آتيا.
بعد أن أنهى الإمبراطور كلمته للشعب خيم الصمت الرهيب على المسرح، ثم دخل بعض من حاشية الإمبراطور وقد أجلسوه على كرسيه وأعطوا له بعض من الدواء، ثم حملوه خارجاً الى الكواليس حيث بدأ الإجهاد عليه شديداً. وأثناء خروجه محمولاً إذا بصوت يأتي من بعيد يهتف "فليسقط الديكتاتور؛ لا نخشى الديكتاتور؛ الموت للديكتاتور؛ لن نرجع حتى يأتيه القصاص".
يدخل خشبة المسرح بعض من الغواني اللائي يعلن مباركتهن لعودة الديكتاتور ويحلفن برأسه وأنهن في خدمته وله دوما من المخلصات. تندفع تلك الغواني نحو مصدر الصوت المناهض للإمبراطور؛ ليصرخن تجاه الصوت "الموت لمن عادانا، الموت لمن يكره الإمبراطور". أخذ بعض من هؤلاء الغواني في الغناء وتوزيع بعض من أقداح النبيذ المعتق الذي حصلوا عليه من جنود الإمبراطور لإعلان فرحتهن على الملأ، وليهتفون له بطول العمر؛ وأنهن يرجونه بالبقاء مجدداً قائلات "لا ترحل يا أبانا الذي على العرش أستوى".
في أحد الأركان يجتمع بعض ممن كانوا يعارضون الإمبراطور ليقرروا فيما بينهم أن أحدهم سيخرج بتصريح يمجد فيه الإمبراطور ويمتدح عودته ووعوده. فإذا بقي الإمبراطور فازوا وكانوا له من الناصرين، أما إذا مات ونجح المعارضون قالوا لهم إنما كنا معكم، أما من مجد فيه من بين صفوفهم؛ فإنما هو خائن أثيم خرج عن الصف ليقول ما يقول.
يدخل الى خشبة المسرح كل المجاميع التي تلعب دور الشعب والرعية وقد بدى عليهم علامات التشكك والريبة؛ هل حقاً عاد الإمبراطور لينتقم. أم أن الأمر لا يعدو عن كونه يقظة ما قبل الموت المفاجئ؛ إذ تدب الحياة في ذلك الذي يحتضر فإذا به يجلس على فراشه وكأنه قد استرد عافيته وشُفِي تماماً، وما هي إلا لحظات حتى يسقط ميتاً في فراشه.
يأتي من ركن بعيد في المسرح مجموعة يهتفون بسقوط الإمبراطور، يتقدمون للوصول إلى خشبة المسرح مخترقون صفوف الجمهور الجالس للمشاهدة، يشتعل حماس الجمهور فيهتفوا معهم "يسقط يسقط الديكتاتور". يخرج من بين الكواليس مجموعة من أنصار الإمبراطور شاهرين سيوفهم يصرخون الموت لأعداء الإمبراطور. ينزل هؤلاء إلى صفوف الجمهور ليقتلوا المعارضين. يسقط بعض القتلى من المعارضين، تلتهب حماسة الجمهور فيصرخ أحدهم قائلاً لن نسكت أبداً بعد اليوم. ينهض الجمهور ليحتل خشبة المسرح هاتفاً "فليسقط الديكتاتور.. فليسقط أعداء الشعب.. لن نستعبد بعد اليوم.. الجنة للشهداء والأحرار".
ينزل الستار ليفتح من جديد على النهاية وكلنا أمل في أن يكون النصر للشعب بإذن الله
"وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"
2/2/2011
ويتبع >>>>>>: حكاوي القهاوي (22)
واقرأ أيضاً:
هيلن كيلر معجزة لن تتكرر/ ولمَ لا؟/ حكاوي القهاوي