حكاوي القهاوي (32)
(157)
سيكولوجية القذافي
في تصوري أن العقيد القذافي مريضاً عقلياً يجب إيداعه في مصحة عقلية. وأن الرجل يعاني كما أرى من مرض "الهوس المرتبط بأعراض ذهانية". ويعاني المريض صاحب هذا التشخيص من أعراض أهمها زيادة النشاط البدني، والإقدام على صرف المال بدون حساب، والعدوانية المفرطة، وزيادة الاهتمام الجنسي، والمزاج الفكاهي في الظروف غير المناسبة، عدم القدرة على التركيز وتسابق الأفكار فيأتي كلامه غير مفهوم. كما أنه يعاني من الأعراض الذهانية وهي التي يتميز بها مرضى الفصام مثل ضلالات العظمة وضلالات الشك والضلالات الدينية المرتبطة بالدور والهوية.
ولإيضاح ما ندعيه على الرجل نقول أن النشاط البدني يحكم عليه من هو أقرب إليه، وإن كان خطابه الذي ألقاه بالأمس واستمر فيه لقرابة الساعة وفي هذه الظروف خير دليل على ذلك. أما صرف المال بدون حساب فهو ظاهر بما لا يدع مجالاً للشك في إنفاقه على دول في أفريقيا دون سبب مفهوم سوى تغذية ضلالات العظمة لديه ليعطوا له لقب ملك ملوك أفريقيا. أما عن التهيج والعدوانية المفرطة فيكفي استخدام لفظ الجرذان ليصف شعبه ثم تهديده الذي إن تركوه فعله بتطهير ليبيا بيت بيت من الخونة ثم تهديده بتدمير البلاد.
أما عن زيادة الاهتمام الجنسي فليس أدل على ذلك من جعله الحرس الخاص به من النساء الجميلات، وحتى حينما قام بجهود لنشر الإسلام في أوربا استخدم لذلك حسان أوربا وهن لابسات الميني جيب. أما عن المزاج الفكاهي فيكفي أن تستمع لخطاباته خاصة في جامعة الدول العربية، والتي تجسد الفكاهة في غير ظروفها المناسبة. وفيما يتعلق بعدم قدرته على التركيز وكلامه غير المفهوم بسبب تسابق الأفكار فخطاباته دالة على ذلك أيضاً، ويكفي قراءة الكتاب الأخضر الذي لم أقرأه ولكني اطلعت فقط على صفحتين أرسلهما صديق لي على الإيميل يتحدثان عن الفروق بين الرجل والمرأة.
أما عن الأعراض الذهانية فإن ضلالات العظمة تجسدت في لقبه ملك ملوك أفريقيا وحتى في خطابه أمس قال بأنه القائد وليس الرئيس. وعن ضلالات الشك فتظهر في اتهام شعبه بالخيانة والمؤامرة. بن علي وبن مبارك كانا كذلك لديهما أيضاً تلك أفكار الاضطهادية ولكن أظن أن هناك فارقاً في شدة هذا العرض بينهما وبين القذافي. أما الضلالات الدينية ففيها يقول المريض أنه على اتصال بالله وأنه تأتيه رسائل وتعليمات منه ولو تبعه العالم لأمكنه إنقاذ البشرية. أخشى أنه قال ما شابه ذلك حين قال أنه جاء ليقود العالم وأوربا للخير، ففي هذا تأكيد على الدور الذي اختاره الله من أجله.
وأكيد أن المتتبع لخطاباته سيجد من هذه الإشارات الكثير. الخطير في الأمر في هذا النوع من الضلالات الدينية أن صاحبها يرى فيمن يخالفه الرأي أنه ضال وأن الله سيلعنهم وسيعاقبهم اشد العقاب وأنه هو الذي سينفذ فيهم إرادة الله التي يستحقونها. وقد يأمر بإبادتهم على كفرهم به وتمردهم عليه. والخوف كل الخوف أن يصدقه من حوله فيقتلون الناس وهم مستريحو البال والضمير.
لكل هذه الأسباب أتوقع أن القذافي لن يهرب مثل بن علي ولن يتنحى مثل بن مبارك. فكلما زاد الضغط النفسي عليه ستزداد ضلالات العظمة لتحميه من الانهيار أو الاستسلام، بل سيفعل كما قال بأنه سيقاتل حتى آخر لحظة ما لم يريحنا أحدهم فيقتله أو يقبض عليه. وحتى إذا ما حوكم بالإعدام ستجده أشد صلابة وقوة من تشاوشيسكو أو صدام حسين. شيء واحد فقط يمكن أن يحدث وفقاً لتطور المرض وهو أن يدخل القذافي في نوبة إكتئاب جسيم فيقدم على الانتحار فقد فعلها هتلر من قبل ولكني أستبعد أن يفعلها القذافي.
(158)
مجرد ملاحظة
عند مشاهدة خطاب نيرون ليبيا سيلاحظ المشاهد أن القذافي ومن معه في حالة ارتباك شديد ومما يدل على ذلك استخدامه لألفاظ ليس من الطبيعي أن يستخدمها رئيس دولة مع شعبه مثل الجرزان. ويذكرني بما قاله يوماً السادات قبيل اغتياله في أحد خطاباته حين فقد السيطرة على أعصابه فقال معلقاً على أحد معارضيه "أهو مرمي زي الكلب في السجن"، فاستخدام السباب علامة دالة فارقة على فقد السيطرة والارتباك الشديد. لم تأتي الكاميرات أيضاً كما هو معتاد على الجماهير التي تستمع لخطابة الذي قارب على الساعة، وإنما فقط اقتصر الأمر على القذافي والاكتفاء بمن جاءوا لتقبيله بعد الانتهاء من خطابه؛ وكان أغلبهم من المسلحين مما يعني أنه كان يتحدث إلى مجموعة من حراسه وأتباعه. أتصور من هذا الخطاب أن العد التنازلي لحكم القذافي قد أوشك على الانتهاء.
(159)
الأرض المحروقة
قام القذافي بذات التصرفات التي سبقه إليها مبارك مع الفارق في الشدة لصالح القذافي، فكما فعل مبارك يقوم القذافي بتفجير أنابيب ومحطات النفط وذلك للضغط على الغرب حتى يتركوه يفعل بشعبه ما يشاء. الفارق أن مبارك لم يعلن أنه الفاعل بينما أعلن القذافي. وفقاً لشخصية الرجل المضطربة فإنه سيلجأ حتماً إلى سياسة الأرض المحروقة إذا ما أيقن أنه راحل. الحقيقة أني لا أجد فارق بين بن علي وبن مبارك وبن القذافي. الفارق الوحيد أن القذافي حوله مرتزقة ينفذون له ما يريد، بينما لم يجد بن علي أو بن مبارك من ينفذ لهما ما كانا يتمنيان أن يفعلاه بالشعب التونسي أو الشعب المصري. لهذا لا تحمدوا لبن علي أو لبن مبارك أنهما لم يفعلا ولكن أحمدوا لمن حولهما أنهم لم يفعلوا.
(160)
أفيقوا يا قوم
قد أكون مخطئاً لأنني لم أفكر من قبل في أحوال تونس أو ليبيا أو غيرها من الدول العربية. فانغماسي في خصوصية مشاكل مصر حال دون النظر فيما يجري حولي من أحداث. وأعترف أن في هذا منتهى قصر النظر. وفي محاولة للخروج من شرنقتي أطرح تساؤلاً على نفسي بعد خطاب القذافي الأخير؛ وهو ما الذي يوجد بشخصيتنا خطأ حتى نقبل أن يحكمنا أمثال هؤلاء المرضى المعتوهون طيلة هذه السنوات؟ فالمشكلة ليست في الحاكم بقدر ما هي فينا نحن.
إن لم نستطع أن نفهم الأسباب سيذهب طاغية أو مجنون ليأتي لنا آخر. كيف ألوم مريض كالقذافي على استمراره في الحكم مدة اثنين وأربعين عاما. كلمة مجنون ليست سب له ولكن هي حقيقة وضع القذافي. ليس فقط حكامنا هم المرضى وإنما نحن أيضاً مرضى والبعض الآخر مجرم إذ يستغل الحاكم وجنونه لتحقيق مكاسب شخصية له. لو أن القذافي مواطناً في بلد أوربي لكان مكانه مستشفى الأمراض العقلية، ولكان أهله أقاموا دعوى حجر عليه، ولا يلامون على ذلك، لأنه غير قادر على إتخاذ القرارات المصيرية الخاصة به وقت إصابته بالنوبة المرضية، فقد يتخذ الرجل قراراً يسبب الكوارث لنفسه ولأهله. فكيف نتركه يقرر مصير دولة وشعب، وأجدد قولي هذا ليس سب للرجل ولكن هذه حقيقة وضعه العقلي التي أقولها بمنتهى الأمانة بعد سماعي ومشاهدتي لخطابه الأخير الذي تقيأ به على شعبه وعلينا.
عندما أصيب بورقيبة بمرض الزهايمر وقام بن علي بخلعه لعدم قدرته على إدارة شئون البلاد لم يكن لأحد أن يلوم بن علي آنذاك، وإن كان الشعب التونسي صراحة يلام إذ كيف لهم أن يتركوا بورقيبة يحكمهم وهو مصاب بمثل هذا المرض، خاصة أن مرض الزهايمر لا يأتي فجأة وأن تدهور المريض يكون عبر وقت ليس بالقصير قد يمتد لسنوات ليصل المريض إلى ما وصل إليه بورقيبة وقت تنحيه. أقول لنا الآن علينا قبل أن نلوم حكامنا أن نلوم أنفسنا. علينا أن نفهم لماذا نحن كذلك حتى لا نكرر الفضيحة بأن يحكمنا مجنون أو مجرم.
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (34)
واقرأ أيضاً:
ردا على حكاوي القهاوي (33) / حقوق الإنسان الأوْلى بالرعاية / سيناريو الثورة المضادة! / تنظيف مصر من آثار الفرعون بالمقشات