كان مما قرأتُ في ذلك اليوم المزدحم بالمشاغل، ازدحام الشارع العربي في كل مكان، كلمات سطَّرها بعض الشباب على الفيس بوك، بأن المظاهرات القائمة في مصر وليبيا ومن قبل تونس، ما هي إلاَّ تحقيق لمطامع أمريكا وإسرائيل التي تَنتهج سياسة: "فرِّق تَسُد"؛ للوصول إلى قلب بلادنا العربية، واستغلال الثروات، وأنَّ هذه المظاهرات قد تَمَّ التجهيز لها من قِبَل أمريكا؛ حيث ترغب في استبدال بعض حلفائها الذين قد أصابتْهم الشيخوخة! ثم مما زادَ الطين بلَّةً وقوف بعض مَن ينتسبون إلى لفظ العلماء مع هؤلاء، وإمدادهم بالفتاوى الجاهزة التي لَم يَعُد يَخفى على العاقل كشْف مداهنتها وجُبنها أمام هذا السيْل العَرِم من الملايين التي تُنادي وستظلُّ تنادي بحقوقها المسلوبة، وحريَّاتها المنتهكة التي أكلَها السكوت عنها منذ ما لا يقل عن 30 أو 40 سنة.
ولأمثال هؤلاء أقول: هل ستضمن أمريكا وإسرائيل النتائج فيما إذا ثارَت هذه الشعوب؟ وهم يعرفون تمام المعرفة أنَّ التحرُّكات الدينية لهذه البلاد تعتبر هي الأكثر شعبيَّة، وخصوصًا أن القضية الفلسطينية تأتي بالنسبة لها في المقام الأول؟
لا أعتقد أنَّ أمريكا وإسرائيل بهذه السذاجة؛ لتخوض هذه التجربة الخطيرة غير المضمونة النتائج، ثم لماذا وضعْنا هذا الاحتِمال الضعيف، ولَم نضع احتمالاً أقوى منه، وهو أنَّ هذه الشعوب بالفعل قد نخر فيها الفقر، وعمَّت فيها البطالة، ووأَدَها القمع والظلم وكبْت الحريَّات؟ أليس من اللافت للنظر أنَّ الذين يعيشون تحت خطِّ الفقر في العالم العربي يُشَكلون حوالي 60 مليون شخص، 16 مليونًا منهم في السودان واليمن فقط.
في كتاب "متى تثور الشعوب"؛ لكاتب أجنبي يُعطينا ثلاثة أسباب لثورة الشعوب، وهي:
1- إذا اعْتُدي على أموالها.
2- إذا اعْتُدي على مقدَّساتها.
3- إذا مُسَّت حريَّاتها وحقوقها الشعبيَّة، مثل: الديمقراطية، والدستور، وغيرها.
وكل هذا موجود في عالَمنا العربي، ثم بعد ذلك نفسِّر الأمر بأنه مُخطط من أمريكا! ثم أليس بقاء هؤلاء القادة في السلطة عدة عقود، ثم سعْيهم لتوريث السلطة لأبنائهم أحد الأسباب لتفجُّر الغضب في الشارع العربي؟
إن عالَمنا العربي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي يرتقي فيها الحُكَّام في انتخابات صورية، والمنطقة الوحيدة التي تشهد أطول فترات حُكم، ونُدرة وجود برلمانات منتخبة ومنافسة وَفْق التعدُّدية الحِزبية، ومع ذلك تفتقد شرعيَّة المعارضة السياسية، واستقلال القضاء وغيرها من قواعد الحُكم الديمقراطي، ومع ذلك هي الوحيدة التي يهتف أبناؤها: بالرُّوح بالدم.
إنها جمهورية المهمَّشين إذًا -كما عبَّر عنها الدكتور سلمان العودة- التي انتفضتْ وفاقَتْ بعد أن طفَح فيها الكيل، ولَم تَعُد تُطيق الانتظار؛ لأن سياسة التوريث سياسة بغيضة تحت أيِّ ظرف من الظروف، وخصوصًا عندما تطول فترة الحُكم مع غياب الثقة والأمانة.
ثم إنَّ الذين يُنادون بحُرمة الثورات انطلاقًا من الدين، ويشيعون أنها فتنة، وهم لا يدرون أنَّ الفتنة فيهم أصلاً، وهي في السكوت والرضا بالظلم، وليس في الثورة والمطالَبة بالحقوق، ثم ألا يعلم هؤلاء أنَّ هناك بعضَ الأنظمة المبنية على التعاقُد بين الحاكم والمحكوم؛ أي إن هناك ترشيحًا وانتخابًا ودستورًا قد أقسمَ الحاكم على تطبيقه، فإذا حصَل خرْقٌ لهذا الدستور، يُصبح من حقِّ المحكوم أن يثورَ، وتُصبح عملية هذا العقد كأنها متوقِّفة؟!
ولأمثال هؤلاء أقول: إنَّ الله يأمرك ألاَّ تكون عوْنًا للظالم؛ أي: سوطًا يضرب به الناس، حتى ولو بكلمة؛ يقول الله -تعالى-: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود:113].
نعم لن يُنْصَرَ الظُّلْم أبدًا مَهْمَا طال، ومَهْمَا ساندَه أولياؤه مِن المنتفعين الذين إما تلبَّس عليهم الأمر، أو أنهم عرَفوا الحقيقة، ولكنَّهم ارتضوا بهؤلاء الحُكام؛ لأن بقاءَهم فوق أعناق البشر يعني استمرار العطايا والمناصب المهزوزة والمهزومة - بإذن الله؛ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت:41].
فما أوهن هؤلاء الحُكَّام، لولا وجود هذه الفئة التي تدَّعي العلم؛ يقول الحسن البصري: "مَن دعا لظالِم بطول البقاء، فقد أحبَّ أن يُعْصَى الله ورسوله"؛ لأن دعاءَك هذا يعني أنْ يُطيل الله عُمرَ الظلم والفساد، ثم إنَّ الله حمَّل الجنود إثْمَ فرعون وهامان؛ ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص:40 - 42].
وختامًا أُرَدِّد مع هتافات الثائرين التي أشعلتْ فيّ رُوح الأمل من جديد؛ ليصوغوا بحناجرهم صوت الحريَّة المرتقَب منذ زمن بعيد: وَلاَ بُدَّ لِلظُّلْمِ أَنْ يَنْجَلِي
وَلاَ بُدَّ لِلْقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِرْ
وَمَنْ لَمْ يُخَالِطْهُ شَوْقُ الْحَيَاةِ
تَبَخَّرَ فِي جَوِّهَا وَانْدَثَرْ
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ لَمَّا تَسَاءَلْ
تُ: يَا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ الْبَشَرْ؟
أُبَارِكُ فِي النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ
وَمَنْ يَسْتَلِذُّ رُكُوبَ الْخَطَرْ
وَأَلْعَنُ مَنْ لاَ يُمَاشِي الزَّمَانَ
وَيَقْنَعُ بِالعَيْشِ عَيْشِ الْحَجَرْ
وَمَنْ يَتَهَيَّبْ صُعُودَ الْجِبَالِ
يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الْحُفَرْ
ولأمثال هؤلاء أقول: هل ستضمن أمريكا وإسرائيل النتائج فيما إذا ثارَت هذه الشعوب؟ وهم يعرفون تمام المعرفة أنَّ التحرُّكات الدينية لهذه البلاد تعتبر هي الأكثر شعبيَّة، وخصوصًا أن القضية الفلسطينية تأتي بالنسبة لها في المقام الأول؟
لا أعتقد أنَّ أمريكا وإسرائيل بهذه السذاجة؛ لتخوض هذه التجربة الخطيرة غير المضمونة النتائج، ثم لماذا وضعْنا هذا الاحتِمال الضعيف، ولَم نضع احتمالاً أقوى منه، وهو أنَّ هذه الشعوب بالفعل قد نخر فيها الفقر، وعمَّت فيها البطالة، ووأَدَها القمع والظلم وكبْت الحريَّات؟ أليس من اللافت للنظر أنَّ الذين يعيشون تحت خطِّ الفقر في العالم العربي يُشَكلون حوالي 60 مليون شخص، 16 مليونًا منهم في السودان واليمن فقط.
في كتاب "متى تثور الشعوب"؛ لكاتب أجنبي يُعطينا ثلاثة أسباب لثورة الشعوب، وهي:
1- إذا اعْتُدي على أموالها.
2- إذا اعْتُدي على مقدَّساتها.
3- إذا مُسَّت حريَّاتها وحقوقها الشعبيَّة، مثل: الديمقراطية، والدستور، وغيرها.
وكل هذا موجود في عالَمنا العربي، ثم بعد ذلك نفسِّر الأمر بأنه مُخطط من أمريكا! ثم أليس بقاء هؤلاء القادة في السلطة عدة عقود، ثم سعْيهم لتوريث السلطة لأبنائهم أحد الأسباب لتفجُّر الغضب في الشارع العربي؟
إن عالَمنا العربي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي يرتقي فيها الحُكَّام في انتخابات صورية، والمنطقة الوحيدة التي تشهد أطول فترات حُكم، ونُدرة وجود برلمانات منتخبة ومنافسة وَفْق التعدُّدية الحِزبية، ومع ذلك تفتقد شرعيَّة المعارضة السياسية، واستقلال القضاء وغيرها من قواعد الحُكم الديمقراطي، ومع ذلك هي الوحيدة التي يهتف أبناؤها: بالرُّوح بالدم.
إنها جمهورية المهمَّشين إذًا -كما عبَّر عنها الدكتور سلمان العودة- التي انتفضتْ وفاقَتْ بعد أن طفَح فيها الكيل، ولَم تَعُد تُطيق الانتظار؛ لأن سياسة التوريث سياسة بغيضة تحت أيِّ ظرف من الظروف، وخصوصًا عندما تطول فترة الحُكم مع غياب الثقة والأمانة.
ثم إنَّ الذين يُنادون بحُرمة الثورات انطلاقًا من الدين، ويشيعون أنها فتنة، وهم لا يدرون أنَّ الفتنة فيهم أصلاً، وهي في السكوت والرضا بالظلم، وليس في الثورة والمطالَبة بالحقوق، ثم ألا يعلم هؤلاء أنَّ هناك بعضَ الأنظمة المبنية على التعاقُد بين الحاكم والمحكوم؛ أي إن هناك ترشيحًا وانتخابًا ودستورًا قد أقسمَ الحاكم على تطبيقه، فإذا حصَل خرْقٌ لهذا الدستور، يُصبح من حقِّ المحكوم أن يثورَ، وتُصبح عملية هذا العقد كأنها متوقِّفة؟!
ولأمثال هؤلاء أقول: إنَّ الله يأمرك ألاَّ تكون عوْنًا للظالم؛ أي: سوطًا يضرب به الناس، حتى ولو بكلمة؛ يقول الله -تعالى-: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود:113].
نعم لن يُنْصَرَ الظُّلْم أبدًا مَهْمَا طال، ومَهْمَا ساندَه أولياؤه مِن المنتفعين الذين إما تلبَّس عليهم الأمر، أو أنهم عرَفوا الحقيقة، ولكنَّهم ارتضوا بهؤلاء الحُكام؛ لأن بقاءَهم فوق أعناق البشر يعني استمرار العطايا والمناصب المهزوزة والمهزومة - بإذن الله؛ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت:41].
فما أوهن هؤلاء الحُكَّام، لولا وجود هذه الفئة التي تدَّعي العلم؛ يقول الحسن البصري: "مَن دعا لظالِم بطول البقاء، فقد أحبَّ أن يُعْصَى الله ورسوله"؛ لأن دعاءَك هذا يعني أنْ يُطيل الله عُمرَ الظلم والفساد، ثم إنَّ الله حمَّل الجنود إثْمَ فرعون وهامان؛ ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص:40 - 42].
وختامًا أُرَدِّد مع هتافات الثائرين التي أشعلتْ فيّ رُوح الأمل من جديد؛ ليصوغوا بحناجرهم صوت الحريَّة المرتقَب منذ زمن بعيد: وَلاَ بُدَّ لِلظُّلْمِ أَنْ يَنْجَلِي
وَلاَ بُدَّ لِلْقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِرْ
وَمَنْ لَمْ يُخَالِطْهُ شَوْقُ الْحَيَاةِ
تَبَخَّرَ فِي جَوِّهَا وَانْدَثَرْ
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ لَمَّا تَسَاءَلْ
تُ: يَا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ الْبَشَرْ؟
أُبَارِكُ فِي النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ
وَمَنْ يَسْتَلِذُّ رُكُوبَ الْخَطَرْ
وَأَلْعَنُ مَنْ لاَ يُمَاشِي الزَّمَانَ
وَيَقْنَعُ بِالعَيْشِ عَيْشِ الْحَجَرْ
وَمَنْ يَتَهَيَّبْ صُعُودَ الْجِبَالِ
يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الْحُفَرْ
واقرأ أيضًا: