تركيا لا تخشى عدوى الربيع العربي، وشعبها ينتخب ولا يريد إسقاط النظام
"أفسد" الربيع العربي هناءة عيش معظم الحكام والحكومات في المنطقة..! فكلما زرت عاصمة تستقبلك رائحة الخوف أو القلق..! لا شيء من ذلك في أنقرة..! تتصرف هذه المدينة بثقة من استبق العاصفة وأرغمها على الابتعاد. وحين تسأل عن السر يأتيك الجواب: "إنه الإصغاء إلى الناس واحترام إرادتهم".
سألتُ الرئيس (عبد الله غل) إن كان يخشى أن يستيقظ ذات يوم على هدير هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام» الذي يقض مضجع أنظمة عربية، فأجاب مبتسماً: "هناك مساحة كبيرة من الديمقراطية وحرية التعبير. هل تتوقع مثلاً أن ينزل شعب ينعم بالديمقراطية ليُطالب بالديكتاتورية!؟".
وبعدما أشار إلى الانتخابات الأخيرة والمشاركة الشعبية القياسية فيها أضاف قائلاً: "لا نخشى مشكلة من هذا النوع. حتى ولو نزل الناس إلى الشارع وطالبوا بتغيير النظام فإن التغيير يمكن أن يتم من خلال صناديق الاقتراع. في تركيا اليوم كل التوجهات السياسية حاضرة من الحزب الشيوعي إلى الأحزاب اليمينية والقومية".
وعما يُردده البعض عن أن الأجندة الفعلية لتركيا هي إشراك الإسلاميين في الحكم خصوصاً جماعة «الإخوان» قال: "نحن لا نتدخل في شؤون الدول الأخرى ولا نفرض عليها شيئاً ولا نُقدم هذه النصائح. لكن إذا سألتني عن رأيي الخاص من خلال تجاربي أقول لك أن كل من يبتعد عن العنف يجب أن يُساهم في العملية السياسية".
يجلس الرئيس (عبد الله غل) على الكرسي التي جلس عليها (كمال آتاتورك) وتحت صورته أيضاً. منذ سنوات وكلما استقبلني مسئول تركي تحت تلك الصورة ينتابني سؤال عما سيبقى من (آتاتورك) ربما لأننا اعتدنا في العالم العربي أن ينشغل كل وافد إلى السلطة بإزالة آثار "العهد البائد".
سألت الرئيس (عبد الله غل) عما يشعر به حين يجلس على كرسي (آتاتورك) وتحت صورته، فأجاب: "أشعر بالفخر والسعادة بالطبع، وأنظر إلى المسافة التي قطعناها حتى اليوم من عهد الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية. خلال هذه الفترة تطورت ديمقراطيتنا واقتصادنا. صحيح أن المسيرة تخللتها انقلابات عسكرية أضرت بالديمقراطية، لكننا في النهاية نجحنا في أن نكون دولة ديمقراطية قوية".
لا يعتقد الرئيس العربي بأن يوماً سيأتي وسيحمل فيه لقب "الرئيس السابق". ثقافة الحكم في العالم العربي تقوم على خيار "القصر أو القبر". يكره الرئيس العربي عبارة "تداول السـلطـة". ويكره أيضاً صناديق الاقتراع إن لم يضمن طبخ النتائج سلفاً.
سألت الرئيس التركي إن كان قد توقع سابقاً أن يجلس على كرسي المؤسس، ومدى تقبله لقب "الرئيس السابق" لاحقاً، فرد ضاحكاً: "لم يخطر ببالي أنني سأكون رئيساً للجمهورية. أنا أنحدر من عائلة بسيطة عادية. ولكن المهم هو أنني حصلت على ثقـة الشـعب لأن الناس انتخبوني مرات عدة نائباً ثم رئيساً للجمهورية. لا أجد مشكلة في أن أكون "الرئيس السابق". الكرسي لا يدوم لأحد. هناك عشرة رؤساء سبقوني، ولو دامت لهم لما وصلت إلي. الآن يعيش في تركيا ثلاثة من الرؤساء السابقين ـ كنعان إفرين، سليمان ديميريل، وأحمد نجدت سيزر ـ، ولا مشكلة لديَّ في أن أُسلم الكرسي لمن يختاره الشعب بعدي".
فيما تضرب الانتفاضات الدول العربية «التي تأخرت في الإصغاء إلى شعوبها وأغمضت عينيها عن الحاجة إلى احترام حقوق الناس وتحسين مستوى عيشهم» تتصرف تركيا بهدوء الواثق وتتحول لاعباً كبيراً في الإقليم. لا أحد اليوم يذهب إلى طهران سائلاً عن سر نموذجها، ونادراً ما تجد من يرغب في تقليده. في المقابل تغص «العيادة التركية» بالسائلين والمستفسرين. ولدى أنقرة ما تقوله للسائلين: المطبخ التركي الحالي متصالح تماماً مع العصر: انتخابات حرة وتداول سلطة ومساواة بين المكونات.
ويسمع الزائر أن التجارب حكمت بالموت على شعارات وذهنيات وأساليب وقواميس، وأن على المعنيين التنبه سريعاً والتحرك سريعاً لأن الوقت ينفد ولأن الوقت لا يرحم.