ماذا تعني الثورتان: التونسية، والمصرية، بالنسبة للشعوب؟.....8
إهـــــداء إلـــــــى:
ـ كل من ساهم في حركة الشعوب، في البلاد العربية، ضد الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
ـ الشعوب، في البلاد العربية، التواقة إلى الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
ـ إلى الشعبين العظيمين: في تونس، وفي مصر، الحريصين على الذهاب بثورتهما إلى أن تتحقق كل طموحاتهما.
ـ من أجل أن تستمر الثورة في البلاد العربية، حتى يتم القضاء على معاقل الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
ـ من أجل الرفع من وتيرة تعبئة الشعوب، حتى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
بين ثورة الطبقة وثورة الشعب:.....5
وإذا تناولنا في الفقرات السابقة مفهوم ثورة الطبقة، في مستوياتها المختلفة، وصولا إلى جعل الواقع في خدمة مصالحها المختلفة، فإننا نشرع الآن في تناول مفهوم ثورة الشعب. وقبل ذلك، لا بد من الجواب على السؤال: هل هي ثورة الشعب؟ وإذا كان ما يجري الآن، ليس ثورة طبقية، ولا يمكن أن تكون كذلك، نظرا لغياب أسس، وشروط قيام الثورة الطبقية، التي لا بد فيها من تحقق سيادة وعي طبقي حقيقي، ووجود أدوات طبقية متقدمة، تقود نضالات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لتحقيق البرنامج المرحلي، والاستراتيجي.
وبما أن الشعب في كل بلد من البلاد العربية، يعاني الآن من الاستبداد، والاستغلال، ومن نهب ثروات الشعوب، ومن كثرة البطالة، وتدني الأجور، وارتفاع الأسعار، وانتشار الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وانتشار الفساد الإداري، والسياسي، وارتفاع عدد الذين يعيشون تحت عتبة الفقر. وبما أن الثورة القائمة لم تقم على أيدي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا تسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، وبناء الدولة الاشتراكية. وبما أن من يقوم بهذه الثورة، هو الشباب، والطوائف، والأحزاب السياسية، والنقابات، والجمعيات التي ينتمون إليها. وبما أن هذه الثورة، تأتي في كل بلد من البلاد العربية، معبرة عن إدارة الشعوب، التي تخرج في التظاهرات السلمية بمئات الآلاف، وبالملايين، فإن هذه الثورة التي تعتمد أسلوب التظاهر السلمي، هي ثورة الشعب فعلا، وليست ثورة طبقية.
وإذا تأكد لدينا أن الثورة، في كل بلد من البلاد العربية، هي ثورة الشعب، فان الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، تختلف جملة، وتفصيلا، عن أهداف الثورة الطبقية، رغم ما يمكن أن يقوم من قواسم مشتركة، بين أهداف ثورة الطبقة، وثورة الشعب.
فإسقاط النظام، أو الفساد، أو أبعاد الأشخاص، أو إعداد دستور ديمقراطي شعبي، عن طريق مجلس تأسيسي، ومحاسبة ناهبي الثروات العمومية، وتحويل التعليم من تعليم طبقي، إلى تعليم شعبي، وتشغيل العاطلين، وتقديم الخدمات الاجتماعية بالمجان،....الخ، فلها قواسم مشتركة بين الثورة الطبقية، وثورة الشعب. وهو أمر يقتضي بأن نجاح ثورة الشعب، تعتمد بالدرجة الأولى على العمال، والفلاحين، والأجراء، وسائر الكادحين، وعلى العاطلين، والمعطلين، والطلبة، وغير ذلك من الفئات الاجتماعية، التي قد تشمل، مع تطور الدولة، كل أطياف المجتمع، وكل الطبقات الاجتماعية، التي لم يتورط أعضاؤها في الفساد، وفي نهب الثروات العمومية، التي هي، في نفس الوقت، ثروات الشعب.
والمراد بالشعب، في حالة إقرارنا بقيام ثورة الشعب، هو كل الأطياف السياسية، والدينية، وكل الطبقات الاجتماعية، التي لم يتورط أفرادها في الفساد الإداري، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، وغير ذلك من أشكال الفساد المتنوعة، التي يعرفها الجميع، لجعل مفهوم الشعب غير ملوث بالعناصر الفاسدة، التي سوف لا تخدم الثورة مصالحها لا من قريب، ولا من بعيد.
فمفهوم الشعب، الذي كان يتخذ سابقا طابع القبول بكل أشكال الفساد، في صفوف أفراده، وفي علاقة أفراده بالمؤسسات الفاسدة، وبالمفسدين، من مستغلي النفوذ، وناهبي الثروات العمومية، وبممارسة تلك الأشكال، أصبح بعد قيام الثورة في تونس، ثم في مصر، لتعم كل البلاد العربية، يتبرأ من كل أشكال الفساد، ومن المفسدين الذين استأسدوا، وأصبحوا يمتلكون ثروات هائلة، وعقارات لا حدود لها، الذين يتحولون حسب مفهوم الثورة للشعب، إلى أجانب، لا علاقة لهم بالشعب، كما توحي بذلك عبارة: "رحل"، التي ترفع في الثورات السلمية، في كل بلد من البلاد العربية.
فالشعب إذن، لا يشمل إلا عموم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والعاطلين، والمعطلين، والمهنيين، وكل الطبقات الاجتماعية، التي لم تتورط في الفساد، بمختلف أشكاله، وألوانه، حتى يكتسب الطهر المستوجب للاحترام، والتقدير، من قبل جميع أفراد الشعب.
وإذا كانت الثورة، التي تعم كل بلد من البلاد العربية، ثورة شعبية، فإن هذه الثورة لا تعتبر الحكام الفاسدين، وكل من مارس أي شكل من أشكال الفساد، وكل من حرص على تكريس ذلك الفساد، وفرضه بالقوة على جميع أفراد الشعب، منتمين إلى الشعب إلا بعد محاسبتهم، ومحاكمتهم، ومعاقبتهم، وإرجاع الثروات التي صاروا يملكونها إلى الشعب، أي حتى يتطهروا من الفساد بطريقة معينة، ومن أجل أن يصيروا عاديين بين أفراد الشعب. وإلا فأن مكانهم السجن، أو الرحيل عن الوطن، بحثا عن ملاذ آمن.
وإذا اعتبرنا الحكام جزءا من الشعب، ارتكبوا جرائم يستحقون عليها العقاب، فان ثورة الشعب ضد هؤلاء الحاكم، ناتجة عن اعتبار أنفسهم فوق القانون، الأمر الذي يترتب عنه اعتبار ثروات الشعب ملكا لهم، يتصرفون فيه كما يريدون. وهو أمر يرفضه الشعب، الذي ثبت أنه يعرف كل شيء عن حكامه، وعن عملائهم، وعن الأجهزة التي يوظفونها لقمع الشعب. وهذه المعرفة، هي التي استغلت لتعبئة جميع أفراد الشعب، للتظاهر السلمي ضد الحكام، ومن أجل إزاحتهم عن الحكم، ومحاسبتهم، ومعاقبتهم، بسبب الجرائم الحاطة من كرامة الإنسان، التي ارتكبوها في حق الشعب، طيلة أيام حكمهم، كما يحصل في تونس، وفي مصر،...الخ.
فثورة الشعب ضد جزء منه، تقتضيها الجرائم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في حق الشعب المعني بالحكام المجرمين، من أجل وضع حد لاستغلال الحكم، للقيام بارتكاب الجرائم المختلفة، في حق أبناء الشعب.
والحكام المتسلطون على الشعب، بقوة الحديد، والنار، يعتبرون أنفسهم ممثلين لجميع أفراد الشعب، وممثلين لله، في نفس الوقت، على وجه الأرض. وما يقومون به من أعمال إجرامية، ومن نهب لثروات الشعب، لصالحهم. ولصالح زوجاتهم، وأبنائهم، وبناتهم، وأصهارهم، يعتبرونه من إرادة الشعب، وما هو من إرادة الشعوب، وإرادة الله، لا تجوز الثورة عليه. فكان ثورة الشعب، هي ثورة ضد نفسه، وضد الله، وهو ما لا يمكن قبوله، إلا إذا كان الحاكم، وصل إلى الحكم، عن طريق انتخابات حرة، ونزيهة، وكان في نفس الوقت، رسول لله. إلا أن الحكام الذين تثور الشعوب ضدهم، ليسوا منتخبين، انتخابا حرا، ونزيها؛ لأنهم وصلوا إلى الحكم، ويمارسونه بقوة الحديد والنار. وما داموا كذلك، وما داموا مرتكبين للجرائم في حق الشعوب، فإن الثورة ضدهم، تصير واجبة. وبما أنهم يدعون الكلام باسم الله، دون وجود مبرر لذلك، فإن الثورة ضدهم، ليست ثورة ضد الله.
وفي حالة وصول الحكام إلى الحكم بطرق مشروعة، ولم يرتكبوا ما يستوجب الثورة ضدهم، فإن أي ممارسة تهدف إلى القيام بأي عمل ضدهم، لا يمكن أن تكون مقبولة، وإذا قاموا بما يستوجب محاسبتهم، فان الجهات التي أوصلتهم إلى الحكم، تقوم بمحاسبتهم، وتقرر في شأنهم ما يجب، كنتيجة للمحاسبة التي خضعوا لها، بموجب القانون. إلا أن حكام البلاد العربية، وصلوا إلى الحكم بطرق غير مشروعة، حسب ما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، وحسب ما هو متعارف عليه، حتى في أعظم الدول، وأكثرها قوة، وقمعا للشعوب العربية بالخصوص، بسبب دعمها التاريخي للأنظمة الفاسدة، في البلاد العربية.
ونظرا لفساد الحكام، ونهبهم لثروات الشعوب، وتمسكهم بالاستبداد بالسلطة، فان الثورة ضدهم صارت مشروعة.
ويتبع>>>>>>>>>>> : ماذا تعني الثورتان: التونسية، والمصرية، بالنسبة للشعوب؟.....10