تصريحات ودعوات متعددة، قرارات وإجراءات كثيرة، تقارير وبرامج صحفية متنوعة، ولربما يصعب حصرها من كثرتها، لكن واستنادا لما بين أيدينا، فانه بات من المؤكد وبما لا يدع مجالا للشك، بأن الهجمة الإسرائيلية ضد الأسرى مدروسة وممنهجة وأن حرباً صامتة تجري على أجسادهم، وأن هذه الحرب مستمرة ويشارك فيها كافة مركبات النظام السياسي الإسرائيلي، مما يعكس حجم الاستخفاف والاستهتار الإسرائيلي بوضع الأسرى وحقوقهم الأساسية والإنسانية.
كما وأن اتساع تلك التصريحات وتنوع مصادرها، إنما يؤكد بأن المجتمع الإسرائيلي يسير نحو العنصرية والتطرف وازدياد حجم الحقد على الأسرى وما يمثلونه، وهي ذات الأسباب التي دفعت الأسرى لخوض الإضراب عن الطعام.
"دعوا الأسرى يتعفنوا في السجون"، تصريحات خطيرة أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ووزير الجيش الحالي أيهود باراك عام 1999. وتصريحات أكثر خطورة أطلقها وزير الأمن الداخلي الأسبق "اسحق هنغبي" عقب إضراب الأسرى عن الطعام عام 2004 حينما قال "دعهم يموتون".
أما وزير الصحة الإسرائيلي الأسبق فقد أصدر تعليمات صارمة لمدراء المستشفيات الإسرائيلية عقب تدهور الحالة الصحية لمجموعة من الأسرى المضربين عن الطعام أواخر آب / أغسطس عام 2004 "بألا يستقبلوا الأسرى المضربين عن الطعام وأن لا يقدموا لهم العلاج".
وفتاوى دينية متطرفة اعتبرت كفريضة شرعية كانت قد صدرت عن كبار الحاخامات في إسرائيل في السادس عشر من كانون ثاني / يناير من العام الماضي تدعو إلى إقامة معسكرات إبادة للفلسطينيين. فيما الجنود والمجندات تجرؤوا علناً بنشر لقطات فيديو وصور لهم على المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام وشبكة التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" وهم يرقصون ويبتسمون إلى جانب أسرى وأسيرات عُزّل ومقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين وفي أوضاع قاسية ومهينة، كتلك الصور التي نشرتها المجندة الإسرائيلية (إيدن أفرجيل) قبل عام ونصف تقريباً.
أما القناة الثانية الإسرائيلية فلقد بثت وبشكل استعراضي وكأنه عمل بطولي في نيسان / ابريل من العام الماضي فيلماً للرأي العام يوثق أبشع عملية اقتحام واعتداء قامت بها قوات نخشون وميتسادا المدججة بالأسلحة المختلفة ضد الأسرى العُزل في معتقل النقب الصحراوي والتي أدت إلى استشهاد الأسير محمد الأشقر بعد إصابته بأعيرة نارية برأسه وإصابة أكثر من مئتين وخمسين معتقلا بإصابات مختلفة وذلك في تشرين أول / أكتوبر عام 2007 ، أما وزير الأمن الداخلي الحالي "إتسحاق أهرونوفيتش" فلقد وصف الأسرى بـ"القتلة والمجرمين والمخربين"، وأن عضو الكنيست الإسرائيلي "مخائيل بن اري" دعا إلى فرض عقوبة الإعدام على الأسرى، فيما الصحفي الإسرائيلي "ايال جيفن" أطلق دعوات أكثر عنصرية حينما دعا إلى خنق الأسرى بالغاز وإبادتهم.
فيما رأس الهرم السياسي، رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" فلقد أطلق تصريحات خطيرة في الرابع والعشرين من يونيو / حزيران من العام الماضي، كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، واعتبرت بمثابة الضوء الأخضر لشن حرب على الأسرى، وشكَّلت بداية لمرحلة هي الأخطر والأقسى، وبعدها بيومين فقط صرح مدير مصلحة السجون الحالي "اهارون فرانكو" بأنه سيطبق سياسة حديدية ضد الأسرى وتعهد بتضييق الخناق عليهم.
وهو ما يُفسر تصاعد الهجمة بعد تلك التصريحات لتسلب ما تبقى لديهم من حقوق والتي هي بالأساس شحيحة، ولتطال كافة النواحي الحياتية والإنسانية وبهدف إذلالهم والمساس بكرامتهم. وأخيراً يتواطأ الأطباء مع توجهات المؤسسة السياسية والأمنية ويماطلون في إجراء الفحوصات أو تقديم العلاج اللازم والرعاية الطبية للأسرى المضربين الذين تدهورت أوضاعهم الصحية.
أما القضاء الإسرائيلي يُصر على أن يبقى دون التمتع بأدنى درجات النزاهة، ليؤكد بأنه كان وسيبقى جزء من أدوات الاحتلال القمعية، وذلك حينما تجاهل تدهور الوضع الصحي للأسرى المضربين عن الطعام منذ أكثر من شهرين احتجاجا على استمرار اعتقالهم إداريا دون تهمة ودون محاكمة، وقرر رفض استئنافهم، وطالبهم بفك إضرابهم.
لقد حان الوقت للتحرك الجاد والفعلي على كافة المستويات والصعد وبمشاركة كافة وسائل الإعلام لفضح ما يتعرض له الأسرى من انتهاكات فظة وجسيمة ولدحض الرواية الإسرائيلية، ولمساندة أسرانا ونصرتهم ودعمهم في معركتهم القائمة، معركة الأمعاء الخاوية، "معركة الكرامة"، ووضع حد للاستخفاف والاستهتار الإسرائيلي بحقوقهم في ظل تردي أوضاعهم وتنامي موجة التطرف والتحريض ضدهم من قبل المجتمع الإسرائيلي والجهات السياسية والأمنية والدينية والإعلامية.
والسؤال الذي سأختم فيه مقالتي هذه هل سنترك أسرانا يموتون كما يحلم "هنغبي"، أو يتعفنون في السجون كما أراد "ايهود براك"... أم يعيشون في جحيم كما يريد "بنيامين نتانياهو"؟
واقرأ أيضاً:
هل تغتال (إسرائيل) الأسرى المحررين المبعدين؟؟ / خضر عدنان.. رجل يهزم إرهاب دولة