تعيش الأجهزة الأمنية الأمريكية والغربية عموما حالة من الاستنفار القصوى بشأن المشكل السوري الذي بات من الواضح أن الأدوات اللازمة لحله لم تعد متوافرة في الجيب الأمريكي نتيجة للتغير الطارئ على شكل التحالفات الدولية، فقد استفاقت روسيا من غيبوبتها التي كانت قد دخلت فيها على إثر انهيار جدار برلين وتفتت الاتحاد السوفيتي، وتمكنت من إقناع المارد الصيني النائم بأن يستفيق هو أيضا ووقفت الدولتان إلى جانب النظام السوري في مواجهته مع الثورة الشعبية من جهة ومع التحالف الغربي العربي لإسقاطه من جهة أخرى.
إن ما يطفو على السطح ليس إلا جزءا يسيرا من جبل الجليد العائم والذي يهدد المنطقة بأسرها بعواقب وخيمة قد تصل إلى الدخول في حالة من الفوضى العميقة والى أن تصبح أجزاء كبيرة من العالم العربي أرضا مشاعا تماما " The Land of no One " وعلى الطريقة الأفغانية مع فارق أهمية المنطقة العربية للعالم كونها خزان الطاقة الأكبر للكرة الأرضية، ومن هنا فإن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية عموما تعيش في أقصى حالات الاستنفار لإيجاد الحلول السريعة والناجعة لتحقيق الأهداف الضرورية لإبقاء المنطقة تحت السيطرة الغربية وإقصاء روسيا والصين عنها.
وقد بات من الواضح أن ما تسعى إليه أمريكا والغرب اليوم هو باختصار شديد، إسقاط نظام الأسد وذلك لحفظ ماء وجه الولايات المتحدة التي تعيش حالة من الرهان مع الاتحاد السوفيتي الجديد المتمثل في التحالف الروسي الصيني، الحفاظ على إمدادات النفط الخليجي إلى الغرب، تهميش الدور الإيراني، القضاء على حزب الله وإنهاء دوره تماما في المنطقة وأخيرا إدخال سوريا الجديدة في حظيرة الدول الموقعة مع إسرائيل على اتفاقيات سلام ولو شكلية من أجل إبقاء إسرائيل مطمئنة إلى الحد الأدنى من الأمن السياسي في المدى المنظور.
المشكل السوري في غاية التعقيد ولا يبدو أن تحقيق الأهداف الأمريكية أمر سهل، خاصة وأن الروس والإيرانيين يمتلكون الكثير من الخطط البديلة في جعبتهم حتى لو بدأ النظام السوري بالضعف والتهاوي، فالإقليم كله يقع في مدى التأثير الروسي إذا ما أرادت روسيا الاستمرار في اللعبة حتى نهايتها، من جهة ثانية تخشى الولايات المتحدة وحلفائها من أن يتم تقسيم سوريا على أرض الواقع، وبينما أفاد تقسيم العراق الأمريكيين كثيرا فقد يضرهم تقسيم سوريا كثيرا لأن ذلك سيفرز من بين ما يفرز دولة تدور في الفلك الروسي تماما وعلى الحدود الإسرائيلية والحدود النفطية وهذا سيجعل المنطقة معرضة للاشتعال في كل لحظة تريد فيها سوريا ذلك.
وفي بعض التسريبات الإستخبارية غير المؤكدة أن الأمريكيين يفكرون جديا بتوسيع حدود المملكة الأردنية الهاشمية لتضم الأجزاء الجنوبية والجنوبية الغربية والمهمة من سوريا بحيث تحقق الأمن لإسرائيل التي يرتبط معها الأردن في معاهدة سلام منذ فترة طويلة كما أنه قد يكون ساترا للتغطية على عملية ترانسفير كبرى تحل جزءا من القضية الفلسطينية المتوقفة منذ أمد بعيد ، و قد يقبل الأردن بهذا الحل في ظل الظروف والمعطيات والتهديدات الداخلية والخارجية وفي ظل حالة التململ الشعبي الواسعة وانتشار البطالة والفقر والفساد بصورة كبيرة جدا في المجتمع الأردني.
غير أن المحاذير من تنفيذ هذا المخطط تكمن في عدم الرضا الشعبي وحالة من العنف التي قد تصل إلى حد الثورة والتي يمكن أن يقدها ليس التيار الإسلامي فحسب بل جزءا كبيرا من أبناء العشائر المحورية في الأردن ، فالأوضاع في الداخل الأردني ليست على أفضل حال، وحكومة السيد الطراونة تعمل وكأنها لا ترى ما يجري على حدودها الشمالية ولا يبدو أنها مدركة لحجم التحديات الكبرى التي يواجهها الأردن اليوم.
اللعب على كل الحبال متعب للغاية ولا تقدر عليه بهلوانات السيرك إلا لفترة وجيزة جدا لإمتاع المشاهدين، أما اللعب على حبال السياسة فهو أمر أكثر صعوبة، ولم تعد المساحات والمآالات تسمح للحكومة الأردنية بممارسة ذلك اللون من اللعب، فالأمر لم يعد يتعلق في الداخل الأردني بترف اللعب السياسي وتبادل الأدوار وممارسة سياسات الكذب على الناس، فالأمر بات متعلقا بضرورات الحياة الأساسية التي تمس حياة المواطن الأردني، الخبز والماء والكهرباء، والتي باتت من الأمور التي لايملك ترف الحصول عليها كثيرون من أبناء الشعب اضافة إلى حالة الفساد المستمرة رغم كل الربيع الأردني الذي لا يبدو انه قادر على تغيير شيء في مؤسسة الفساد التي تقبض على مفاصل صنع القرار في الدولة الأردنية والتي يبدو إن الدولة عاجزة تماما عن محاسبتها أو وقف نشاطاتها أو التأثير في وجودها، وهذا يدفع إلى الاعتقاد بأن المرحلة القادمة قد تشهد تغييرات جذرية في المشهد الشعبي الأردني وقد تتحالف العشائر الأردنية تماما مع التيار الإسلامي ، بل ربما تنتج الانتخابات القادمة "إن تمت وإن لم تزور" ربما تنتج برلمانا إسلاميا كاملا كنوع من العقوبة الشعبية للحكومة والنظام، و قد حصل ذلك في أماكن أخرى كثيرة في العالم العربي وأوروبا.
الدولة الأردنية على وشك الإفلاس التام والديون وصلت إلى حد بات من المستحيل التنبؤ بطريقة سدادها، والعجز في الموازنة عجز مزمن وسوف تكون نهايات العام مأساوية إذا لم تحصل معجزة من نوع ما، فمليار أو ملياري دولار مساعدات أو قروض أو هبات لم تعد تنفع في شيء ولا بد من حل جذري للحالة الأردنية، توسيع الدولة بضم أجزاء من سوريا ليس الحل الأسوأ، بل الأسوأ من ذلك أن تلجأ أمريكا وحلفائها لبيعنا في مزادات الربيع العربي كما باعت مصر وتونس واليمن وليبيا وغيرها.
قد تكون المملكة العربية المتحدة على الأبواب، ولكن روسيا لم تعد لاعبا ثانويا ولا تجلس في مقاعد الاحتياط بل هي اليوم في الميدان وتلعب بقوة وشراسة وعلى صناع القرار الأردني أن يعوا حقائق كثيرة غاية في الأهمية تغيرت بتغير المشهد الدولي وقد نتحدث عنها في مرة قادمة إن شاء الله.
واقرأ أيضًا:
نظرة في الثورات العربية / آثار التدخل الغربي في الثورات العربية وخاصة ليبيا / الإعلام الجاد والثورات العربية