حركة حماس في فكر المؤسسة الصهيونية (6)
في المقال السابق تناولنا الحديث عن حركة حماس في ظل الربيع العربي وكيف تعاملت إسرائيل مع هذا الواقع والذي يمكن تلخيصه بعبارة (التوجس وضبط النفس) هذا التوجس لم تفلح معه المؤسسة السياسية ضبط إيقاع تصرفاتها خاصة حين شعرت أن مسار التهدئة القائم سيمس قدرة إسرائيل على التحرك في المراحل القادمة.
القراءة الإسرائيلية ظلت في هذا السياق مرتبكة حتى أقنع باراك رئيس حكومة العدو أن غزة لن تدخل في مواجهة مفتوحة، وأن حماس باتت مقتنعة بتهدئة تحفظ ما أنجز من إعمار خاصة في ظل زيارة أمير قطر ودعم مصر السياسي لفك الحصار عن قطاع غزة.
هذه القراءة لباراك كانت نتاج جملة استطلاعات للرأي وضعته في المنزلة (رقم 0 ) في الانتخابات المتوقعة خلال الأشهر القادمة مما جعل الأخير يفكر في مجد ينعكس على واقعه فيعتزل السياسة على إثرها.
هذه الأمنية التقت مع توجهات نتنياهو فكان القرار اغتيال القائد القسامي الجعبري والذي اعتبر في حينه من الضربات الأهم للقسام بعد اغتيال القائد صلاح شحادة.
في متابعة السلوك الأمني للكيان كانت حصيلة التوقعات أن يكون الرد محدودا وأن تذهب حماس لحركة تهدئة لن تطول ولن يكون الرد خارج السياق الطبيعي المعتاد.
حسابات البيدر لم تكن بحجم توقعات الفلاح البائس فكان رد القسام عنيفا وعميقا، مدروسا ومنظما، قويا وقادرا، متقنا وبارعا، محكما وواثقا، مؤلما ومرعبا، والأهم مجمعا عليه من كافة الفصائل الفلسطينية يمينها ويسارها التي شاركت وبشكل لا يستهان به خاصة حركة جهاد الإسلامي.
هذا الحال وضع المؤسسة الأمنية والمجلس الأمني المصغر أمام أزمة تعمقت حين أبدع الرئيس محمد مرسي في إدارة ملف الحرب بقوة فاقت توقعات المستوى السياسي الذي خشي حركة تدحرج في الأوضاع تخرج عن السيطرة.
حماس في هذه المرحلة لم تكن في أي مراحل تاريخها بالقوة التي اكتسبتها منذ اليوم الثالث للعدوان خاصة بعد أن نجحت كتائبها ضرب العاصمة السياسية في الكيان والتهديد بتوسيع عمق النار إلى أبعد من ذلك. هذا التهديد أصاب الجبهة المجتمعية غير المهيأة للحرب في إسرائيل مما جعل الأمن الإسرائيلي يطالب علانية بضرورة التوجه إلى خطو تهدئة في وقت قريب كي يظل صدى اغتيال الجعبري ما يغلف حالة وقف إطلاق النار.
المقاومة أدركت المحاولة الإسرائيلية واستمرت في الفعل في رسالة قدرة وصلت إلى إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة التي فهمت أن أوضاع المنطقة ستكون أمام حافة انفجار سيتجاوز غزة إلى محيط قابل للانفلات.
حديث الانفلات أدركت من خلاله الولايات المتحدة قدرة مصر الجديدة على ضبطه خاصة وأن الرئيس المصري أثبت روحا قيادية جعلت الولايات المتحدة تعيد التفكير في قدرة مصر بعد الثورة خاصة في ملف الصراع الفلسطيني.
حكاية الدور وعجز إسرائيل على جبهة النار أعاد صياغة العلاقة مع حماس التي انتلقت إلى لعب دور الزعيم الفلسطيني القادر على ضبط إيقاع خطواته من خلال دعم منظومة دولية فيها تركيا ومصر وقطر وغيرها من دول دخلت على خط التضامن مع المقاومة عبر جامعة الدول العربية التي مارست حراكا لم يكن مألوفا منذ ثلاثين عاما.
الروح هذه أعادت التقييم لأداء حكومة نتنياهو إلى جبهة الكيان والذي انتقد فيه كبار السياسيين سلوك حكومتهم التي فضلت عزل الرئيس عباس ومواصلة الخطوات الأحادية لقناعة أن خطواتها لا يمكن الاعتراض عليها بشكل حقيقي. لكن ما فعلته غزة رسخ لدى الكيان أن الشارع الفلسطيني بات مقتنعا بأن المقاومة هي المنهجية التي يجب حضورها في ملعب العلاقة مع الاحتلال جنبا إلى جنب مع الخيارات الأخرى المتاحة.
هذه الصورة نجحت الحركة في ترسيخها منذ عملية تبادل الأسرى واليوم بعد ملحمة الانتصار في الحرب الأخيرة لكن تبقى الحركة اليوم مطالبة في إعادة قراءة مشهد العلاقة الداخلية الفلسطينية وقبلها منهجية المقاومة لمشاريع التهويد في القدس والضفة الغربية والتي تحتاج إلى خطوت عملية لم تنجح بعض الفصائل الفلسطينية بلورتها إلى الآن.
حماس في ذكرى انطلاقتها 25 أضافت للحركة الوطنية زخما كبيرا ومهما، وما كان في احتفالات غزة سوى رسالة قرأها الكاتب الإسرائيلي روني شكيد قال فيها "مشعل تحدث من غزة بلغة القائد الكبير للشعب الفلسطيني".
في الختام: يظل حديث القيادة، والنصر، والقدرة في مدار اللحظة ممتعا، لكن الأهم هو الفعل الراسخ الذي وجب على من شحذ روحه المقاتلة أن يمضي دون التفات إلى الأضواء المبهرجة، لأن الراحة لا تعفي المقاتل من ثقل الأرض التي تقثل قبلة الإخلاص والجهد.
واقرأ أيضاً: