كأن بهم مسّ!

 تدق الطبول؛ دردابها يملأ الأرض كل الأرض، عالياً متفجراً حاجباً ما دونه من الأصوات فلا أنين ناي ولا طنطنة أوتار، لا هزيز رياح ولا حفيف أشجار، حتى نشيج الخائفين ونحيب الفاقدين وعويل المنكوبين لم يعد يُسمَع! قلّ لي يا "سامر"¹: كيف لضربات نبضك الضعيف وأطيط بطنك الخاوي أن يصلا لآذان أصمّتها الطبول؟!
 
 أتطلع في وجوه الناس، أرقب ردودهم فعلاً وقولاً، أقرأ وأقرأ ما يكتبون وما يكتب عنهم، يا ربي أي خمر تلك التي ذهبت بعقولهم؟! اندلقوا في الطرقات وعلى الشاشات وبُعثِروا في خلوات الأرض وهُتِك سترهم طوعاً بأيديهم وكرهاً بأيدي بعضهم بعضاً. تعرّى الجميع، فقد جفت شجرة التوت وما عادت تورق منذ أن ظهر الفساد في البر والبحر... أوَ يَعقِلُ العراةُ تشبث "الروهينغا"³ بلباس سترهم الذي يقيهم حرّ النار؟
 
 نغتذي بلحوم بعضنا ونتعفف عن حلال بات عزيزاً لا يُعرف إليه سبيلاً، نرتطم بنِعمٍ عبثنا بها فقلبناها نِقماً تورث الحسرات، اقترب الحساب ونحن في لهونا معرضون... إنها حرب النهايات الصغرى، إنها السنوات الخداعات، هي القليل المتبقي قبل أن تدبّ الروح في أحداث الرواية فتغادر صفحاتها التي أبليناها قراءة لتُبلينا خوفاً وحزناً.
 
 تعود إليّ يا "سامر" بل أعود إليك في اليوم ألف مرة، أتأمل شباباً أتلفته وقاحتنا ووحشية سجّانك. نعم، نحن وقحون جداً؛ بلا شرف وبلا حياء وبلا فضيلة... كأن الفضائل كلّها انحسرت عنّا واستعصمت بك وبرفاقك²! أتدري ما يشغلنا الآن يا عزيزاً في عين العزيز الجبّار؟ نحن نعدّ أيام جوعكم ونقيّد في الدفاتر أرقاماً... دفاترنا نظيفة جافة ألقمناها لآلة طبعتها بما أملينا عليها من إحصاءات، أيدينا كذلك لم تلوثها محبرة ولم يرهقها قلم. الأرقام عندنا صماء جامدة! بالرغم من أنها حيواتكم التي تُهدر رطوبتها، إنها أسماعكم الحيّة تطرقها الأصوات العلوية فتترفع عن هذرنا وتتحول عن ضجيجنا، هي أرواحكم في قبضة رب الرحمات جميعاً بينما نقبض على الدفاتر حيث لن نجد لنا قيداً فيها!!!
 خسران، أيمّا خسران!
 
 الهوامش: 
 1- سامر: هو سامر العيساوي، أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بدأ إضراباً عن الطعام منذ الأول من آب/أغسطس الماضي.
 
 2- رفاقك:
 - البطل أيمن الشراونة، أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي مضرب عن الطعام منذ الأول من تموز/ يوليو الماضي، صاحب أطول مدة إضراب عن الطعام عرفها التاريخ.
 - البطل طارق قعدان، أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بدأ إضراباً عن الطعام منذ االثامن والعشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي.
 - البطل جعفر عزّ الدين، أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بدأ إضراباً عن الطعام منذ االثامن والعشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي.
 - البطل يوسف شعبان، أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بدأ إضراباً عن الطعام منذ االثامن والعشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي.
 - ما يزيد عن 11 ألف أسير فلسطيني تضيع أعمارهم في زنازين الاحتلال الإسرائيلي لا يتابع أحوالهم أحد بعد الله إلا ذويهم.
 
 3- الروهينغا: مسلمو ميانمار (بورما سابقاً) يوصفون بأنهم "أكثر الشعوب نبذاً" و"أنهم أكثر الأقليات إضطهادا في العالم". وقد جردوا من مواطنتهم منذ قانون الجنسية لسنة 1982. فلا يسمح لهم بالسفر دون إذن رسمي ومنعوا من امتلاك الأراضي وطلب منهم التوقيع بالإلتزام بأن لا يكون لهم أكثر من طفلين. وحسب تقارير منظمة العفو الدولية فإن مسلمي الروهينغا لايزالون يعانون من انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل المجلس العسكري البورمي منذ سنة 1978، حيث ارتكبت في حقهم عمليات إعدام بدون محاكمة وتعذيب واغتصاب ومنعوا من ممارسة شعائرهم الدينية. وقد أجبر الجيش البورمي الروهينغا على العمل دون أجر في مشاريع البنية التحتية والاقتصادية وفي ظروف قاسية. وقد فر العديد منهم إلى بنغلاديش المجاورة (المصدر: ويكيبيديا، بتصرف).. أعلنت ماليزيا وبنغلاديش مؤخراً إغلاق الحدود في وجه اللاجئين الروهينغا فلم يعد أمامهم إلا البحر مفراً من عذاب البر.
 
واقرأ أيضاً:
هام وعاجل: للمتبرعين بالغذاء لغزة / التقرير / في التفاصيل / في العتمة! / مايكل جاكسون: مشاركة / ليلة خرساء