كنت أظن امتناعي عن متابعة أخبار السياسة الداخلية والإعلام في مصر منذ حوالي السنة قادرا على وقايتي من القلق والملل والغضب الذي قطعا يؤثر على أدائي الحياتي دون أن تكون له فائدة اللهم إلا الاشتراك في اللغو الدائر بغير طائل،... برغم ذلك الوعي بألا أنشغل كأغلب المصريين بما هو إهدار للوقت والجهد، لم يكن ممكنا ألا تمسني الحالة التي يغرق فيها الناس في مصر من التوجس والضيق ذرعا بمن يصر على تهديد الاستقرار الذي انتظره الناس سنينا من بعد الثورة!
أكاد أقول أن الحالة الوجدانية والمعرفية التي أشعر بها اليوم لا تختلف إلا قليلا جدا عن ما شعرت به أيام الثورة المجيدة في 25 يناير خاصة أيامها التي تلت جمعة الغضب الأولى في 28 يناير 2011 ... نفس الاستنفار والسيلان الشعوري ومزيج من عدم الاطمئنان والانتظار والخوف والغضب والدعاء.... لكن يبدو أن كوني هذه المرة منحازا إلى عدم التظاهر (ضد النظام أو معه) وعدم تهديد الاستقرار بأي شكلٍ جعلني أشعر بالأشياء بشكل مختلف.... فبينماا كنت أنتظر انقشاع النظام الكريه في ثورة يناير وكان الخوف من رد فعله ومن تآمره مع الشيطان ضد كل مصر، فإن الخوف الآن إنما ينبع أساسا من احتمال اتخاذ الشرطة موقفا سلبيا من المخربين ولهذا ما يبرره مما تكرر بعد الثورةة من تقاعس الشرطة عن أداء واجبها.
تأخرت أول أمس عن صلاة الجمعة حتى بدأت الخطبة ووصلت إلى مسجد عبد السلام ترك المجاور لعيادتي في بطرس غالي بالقاهرة وهذا المسجد هو أقرب المساجد من قصر الاتحادية الرئاسي..... لم أجد مكانا داخل المسجد ولذلك جاءت جلستي على الحصير المفروش في الشارع المجاور للمسجد.. صليت تحية المسجد وجلست أنصت للخطبة التي كانت كلها عن المنجمين ومن يصدقهم من الناس حتى ظننت أن فضائية من الفضائيات أوو جرية من الجرائد قد عرضت أو نشرت نبوءة لأحد العرافين بأن مصر مقبلة على أحداث جسام وأراد الخطيب تنبيه الناس وتوعيتهم... لكنني لست متأكدا من ذلك، وبينما أنصت للخطبة بدأت أعداد من مجندي الأمن المركزي بالمرورر من أمامنا في اتجاه الميضأة وكان أول انطباع لي هو أن هذه الوجوه جديدة هذه الوجوه مختلفة بدت لي صلابتهم واستشعرت قوة بنائهم وكان هذا بالفعل غريبا...
وجدت نفسي مستبشرا بتلك الأجساد الصحيحة والنظرات اليقظة والملامح الطيبة لجنود الأمن المركزي، وجدت نفسي أدعو بأن يوفقهم الله في منع حصول العنف بغض النظر عن مصدره عسى أن يكون في ذلك رادعا لمن تسول له نفسه أن يمارس العنف، لكنني انتبهت إلى المفارقة فأنا للمرة الأولى في حياتي أدعو للشرطة أن تنتصر على معارضي النظام!
لا أذكر أنني استشعرت شيئا من هذا عند رؤية جنود الأمن المركزي أبدا قبل الثورة فقد كان الشعور السائد باختصار هو القرف وكان النشاط الفكري الأغلب عند رؤيتهم هو الحوار الداخلي حول كون هؤلاء الجند خونة أم مظاليم؟... لم أشعر أبدا في ذلك الوقت أنهم يحمون مصر أو المصريين فقط كانوا يحمون النظام وضد كل إرادة شعبية، أنا اليوم أمتلك حسا مختلفا وأرى جنود الأمن المركزي بشكل مختلف... هذا الإدراك بشكل مختلف للشرطة يطمئنني فقد كانت هناك ثورة أراد الله لها أن تنجح ونجحت ثم كان جرح كبير بيننا نحن الشعب وبين الشرطة لكننا تجاوزناه أو نكاد... وبينا نحن مقبلون على 30 يونيو 2013 وهو اليوم الذي شحن قبله المصريون بشكل متطرف على الجانبينن الإسلاميين والقوى الثورية الأخرى.... بما يهدد فعلا بأن نحيد عن مسار الثورة أو نبقى محلك سر! رغم كل التوجس هناك ما أتيمن به في وجوه الجنود القادمين للصلاة.
واقرأ أيضاً: