هل تحتاج المجموعات البشرية إلى قائد يدير أمورها؟
لو تم توجيه هذا السؤال إلى أي كائن حي لكانت الإجابة نعم وبدون تردد. تحرص الشعوب المتحضرة على الاهتمام بمؤسساتها التعليمية وتنتخب بعضها لكي يتخرج منها من يقود المجموعات البشرية مستقبلاً. ليس من الصعوبة على أي قارئ أن يستنتج هذه الجامعات في بلاد العالم ومن تخرج منها وتبوأ مقعد القائد يوماً ليدير البنوك والوزارات وأحياناً البلد نفسه.
التاريخ العالمي يزدحم أيضاً بسيرة القادة منذ أيام العصر الكلاسيكي وحتى يومنا هذا. الجميع على معرفة بالقيصر يوليوس في العصر الروماني وجورج واشنطن الذي حرر الولايات المتحدة وطلقها من بريطانيا. أما كثافة القادة في الشرق فهي أكثر بكثير من تاريخ الغرب فهناك قائد القبيلة وقائد العشيرة والخليفة والسلطان وإلى غير ذلك من الألقاب اللامعة.
أما مصير هؤلاء القادة فهو واسع الاختلاف في كل مكان وزمان. هناك من القادة من خلدهم وسيخلدهم التاريخ ومنهم من تبوأ مقعده ضمن نفايات الحضارات البشرية في النهاية. لا شك أن نيلسون مانديلا والمهاتما غاندي ممن خلدهم وسيخلدهم التاريخ دوماً في جميع أنحاء الكرة الأرضية، ولكن العالم العربي من المحيط الى الخليج فشل إلى حد ما من وضع شخصية لها مكانتها التاريخية في العصر الحديث.
طلق العالم العربي السلاطين الأتراك وأسطورة الخلافة الإسلامية وتصدر لقيادتهم من ملوك ورؤساء جمهورية، إن لم يتبوأ مقعده في نفايات التاريخ فهو لم يحصل على تزكية الأغلبية في بلده للحصول على وسام تاريخي يخلده. اغتيل ملك الأردن عبد الله في عام 1951 ورحل الملك حسين والشكوك تحوم حول دوره في الصراعات الإقليمية. انتهت أدوار البعض منهم بانقلاب عسكري والبعض الآخر بانقلاب عائلي كما هو الحال في قطر عام 1972 وعام 1995. أما رؤساء الجمهوريات فمصيرهم لا يختلف عن الملوك إن لم يكن أسوأ بكثير وخاصة أيام أو بعد رحيلهم.
أين هم قادة المجموعات البشرية في العالم العربي اليوم؟
بعد رحيل الطغاة وقيام ما يسمى بالربيع العربي هناك ظاهرة لا تخفى على أحد وهي غياب القادة. لا أحد يعرف من هو قائد تونس أو ليبيا أو اليمن. المعارضة السورية تتكون من مئات المجموعات المتعددة الجنسيات والمذاهب. حاولت مجموعة أصدقاء سوريا برئاسة بريطانيا وفرنسا واستضافة قطر وعضوية العديد من الأقطار العربية تنصيب قائد للمعارضة السورية مما أثار سخرية الصحافة الغربية. وقع الاختيار على مسلم ومسيحي وعربي وكردي وعلماني وإسلامي ناهيك عن الذي يحمل الجنسية الأمريكية.
أما الثورة المصرية فقد أصبحت في حالة إدمان على التظاهر للتعبير عن سخطها من الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وصل إلى دفة الحكم السيد محمد مرسي وفشل إلى الآن بالحصول على لقب قائد الشعب بل وحتى قائد من ينتمي إليهم وهم الإخوان. لكن المعارضة المصرية ليست بأفضل حالاً من الحكومة وحتى السيد البرادعي وغيره فشلوا في جمع أطراف المعارضة وقيادتهم وبقي الشارع لوحده مسرحاً للتعبير عن الآراء التي لا يستمع إليها أحد.
ولكن هل غياب القادة ظاهرة عربية فقط؟
الربيع العربي والسخط الجماهيري في القاهرة بالذات أصبح سلوكاً تأثرت به الكثير من دول العالم. حصل مثل هذا التظاهر في إسرائيل العام الماضي ولم يتردد الشارع الإسرائيلي بالتعبير عن إعجابه بالربيع العربي. تظاهر الأتراك ضد السلطان أردوغان، والحكومة البرازيلية في حيرة لإرضاء الشارع البرازيلي الذي ضاق ذرعاً بانخفاض النمو وغياب العدالة الاجتماعية الاقتصادية. هناك أيضاً الهند والسويد وفرنسا وغيرها. هذه المعارضة أيضاً لا تختلف عن ظاهرة الربيع العربي في غياب القادة.
وهل تحتاج الشعوب إلى من يقودها في ظل نظام ديمقراطي؟
الجواب بدون تردد نعم. كما أن المجموعات البشرية بحاجة إلى قائد يدير أمورها فالشعوب أيضاً بحاجة إلى قيادة. ينتخب الشعب قائداً له من خلال العملية الديمقراطية وبالتالي يعمل على رعاية مصالح من انتخبه ومن لم ينتخبه. هذه الحقيقة لا يدركها البعض من قادة الشعوب وأولهم السلطان أردوغان الذي خلد التاريخ له مقولته بأن الديمقراطية أشبه بالترام تركبه لتصل إلى المكان الذي تريده وبعدها تنزل منه.
تمر الشعوب في فترة انتقالية بعد ثوراتها، وفي نهاية المطاف لابد من أن تجد من يقودها إلى التطور. أما وسائل الاتصال الاجتماعي عبر الإنترنت فهي ليست البديل لقيادة حكيمة للشعوب وقد تسرع أحياناً بولادة طاغية جديد يسحبها إلى الوراء.
واقرأ أيضاً:
صفقة بين مرسي والرعية... إغريقية أم صينية؟/ جمهورية مصر الإسلامية/ سلطان هذا الزمان بين مرسي وسيرة عثمان/ من سينقذ مصر؟