قبل نصف قرن من الزمان كانت مصر وكوريا الجنوبية على نفس المستوى الاقتصادي1 والعلمي والتعليمي. أما هذه الأيام فيكفي إلقاء نظرة سريعة على الأرقام الاقتصادية والكشف عن ما حدث منذ عام 1960 إلى اليوم. رصيد أو توازن حساب كوريا الجنوبية الجاري هو + 57.8 بليون دولار ونسبة الإنتاج المحلي الشامل من ذلك الحساب هي 3.4%. أما مصر فالأرقام عكس ذلك فرصيد حسابها الجاري هو - 5.4 بليون دولار والإنتاج المحلي يشكل – 2.6 % من ذلك. بدون مساعدات خارجية ليس هناك إلا نتيجة واحدة وهي انهيار الدولة اقتصاديا.
بالطبع لا يحتاج الإنسان للاطلاع على هذه الأرقام ويكفي إلقاء نظرة سريعة على الهواتف الجوالة، السيارات بأنواعها، الملابس، وشاشات التلفزيون وغير ذلك لندرك موقع كوريا الجنوبية ومصر الآن. ألأولى دولة وشعباً تطورت في خلال 50عاماً، والثانية دولةً وشعباً تخلفت خلال 50 عاماً، وهذه هي الحقيقة المرة التي يجب على كل مصري وعربي القبول بها.
أما مؤشر التطور البشري فترى أن كوريا الجنوبية تسجل 89.7% وتحتل المرتبة 14 عالمياً وهي أعلى من الدنمارك (89.6%) وإسرائيل (88.8%) أما مصر فهي لا تظهر حتى ضمن قائمة 80 دولة في إحصائيات الامم المتحدة2. هذه الأرقام التي لا غبار عليها هي التي تفسر لماذا قام الربيع العربي في بداية الأمر بعيداً عن الآراء العاطفية في تفسير الثورات المصرية3. أما المهمة الأصعب من ذلك بكثير فهي من سيتولى قيادة الشعوب نحو عملية تطور وبناء وعكس عملية التدمير والتخلف.
هناك من البشر من هو سيء الحظ ويبدأ العمل في وظيفة غير آمنة ومهامها مستحيلة. هذا الحظ السيء كان من نصيب الدكتور محمد مرسي. كان عكس مسار التدمير والتخلف شبه مستحيلة وتتطلب قيام إدارة مدنية جديدة ومال وفير وتضحيات اقتصادية من الشعب المصري. لم يقوى الرئيس المصري المخلوع على اتخاذ قرارات حاسمة لا يقبل بها من صوت له أو ضده مثل إنهاء الإعانات المالية للطاقة والوقود التي أنهكت الحكومات المصرية المتعاقبة.
انشغلت إدارته بالسيطرة على مؤسسات الدولة وإن كان ذلك لا يختلف كثيراً عن بقية بلاد العالم، وصياغة دستور هش وفشل في إرضاء القوى السياسية المعادية له. وصل إلى الحكم بدون وجود مؤسسات تنفيذية وتشريعية تضمن شرعية الحكومة ومراقبتها، ولم يمتلك الخبرة السياسية لبناء مثل هذا النظام. حاول إبعاد العسكر عن الساحة السياسية مقابل تنازلات قدمها لهم وضمنت لهم حقوقهم الاقتصادية والمدنية. كانت مهمته مستحيلة والحديث عن عدم كفاءته ربما كان سيكون نصيب كل من تولى هذه المهام في عام 2012.
رغم بداية الربيع العربي في تونس وختامه بصورة أو بأخرى مرحلياً تبقى جمهورية مصر العربية نقطة ارتكاز العالم العربي. لا تزال تونس واليمن وليبيا في صراع من أجل بناء مؤسسات قوية وديمقراطية تضمن حقوق الشعب وتخلق نهضة اقتصادية. أحداث تموز وحركة التمرد ضد الرئيس المنتخب وبعد عام واحد فقط من انتخابه أثارت العديد من العواطف وردود فعل إقليمية وعالمية. انتهى الرئيس المنتخب خلف القضبان وصدرت الأوامر بملاحقة زعماء الإخوان وتم تنصيب الرئيس الجديد الذي وعد بدستور جديد والتصويت عليه وانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة العام القادم مصرحاً أيضاً بأن الشريعة الإسلامية ستكون القاعدة الرئيسية للدستور الجديد.
سارعت السعودية والإمارات بتأييد إزاحة محمد مرسي والإسراع في تقديم معونات اقتصادية. عملت قطر الأمر نفسه مع مرسي ولم ينجح ذلك في عكس مسار قطار التخلف. كان رد فعل الأتراك سلبياً من دولة عانت من تدخل العسكر في أمور الدولة المدنية منذ فترة طويلة. رغم استياء إيران لموقف مرسي من سوريا وابتهاج الإعلام بإزاحته ولكن الحكومة الإيرانية أطلقت مصطلح ديمقراطية الشارع على أحداث مصر الأخيرة.
في نهاية الأمر استبدال قطار التخلف المصري بقطار تطور كوري جنوبي هي مهمة من يتولى أمور البلاد وكذلك الشعب المصري. فترة التحول هذه مليئة بالتضحيات ولا يمكن أن تنتج ثمارها بين ليلة وضحاها وبمجرد وصول مساعدات خليجية للدولة وأمريكية للجيش المصري. الأمر الذي هو أكثر أهمية من ذلك هو موقف التنظيمات الإسلامية من الإخوان والسلفيين. التنظيمات الأخيرة أقل خبرة وحنكة من الإخوان وتحت رحمة دول أخرى تمولها. أما قاعدة الإخوان الشعبية فهي واسعة وفوزهم بالانتخابات المقبلة لا يحب أحد أن يراهن ضده. لا يمكن لأي دولة ديمقراطية إبعاد شريحة من الشعب عن التجربة الديمقراطية والبلاء الأكبر دفعهم إلى ممارسة العنف السياسي من زقاق الفقر في القاهرة.
المصادر
1. انظر في افتتاحية محرر الإيكونيميست في عدد 12 تموز 2013.
2. انظر في إحصائيات الاقتصاد العالمي المنشورة في مجلد العالم في أرقام في الإيكونيميست 2013.
3. انظر في مقالة علاء الأسواني في التايمس اللندنية يوم 11 تموز 2013.المقالة في دفاع عن حركة تمرد وشرعيتها.
واقرأ أيضاً: