ذكرت إحدى الكاتبات في صحيفة المصري اليوم، الجمعه 26/7/2013م : "ياسيسي، إنت تغمز بعينك بس، طالما السيسي قال لنا ننزل يبقى هاننزل، بصراحة هو مش محتاج يدعو أو يأمر، يكفيه أن يغمز بعينه بس، أو حتى يبربش، سيجدنا جميعا نلبي النداء، هذا رجل يعشقه المصريون!، ولو عايز يقفل الأربع زوجات، احنا تحت الطلب، ولو عايزنا ملك اليمين، مانغلاش عليه والله!".
وهي للأمانة كاتبة ساخرة موهوبة، وهي تعكس بوضوح وبروح مرحة ذلك التوجه الواسع الانتشار في صحفنا وإذاعاتنا وقنواتنا الفضائية، من استسلام وتسليم مطلق وغير مشروط لإرادة شخص أو مؤسسة مهما كان تقديرنا واحترامنا لهم. ولا تكاد تجد استثناءا لهذه الموجة المؤيدة بعنف وحماس وتفاني مطلق.
وقد يقول قائل، وما العيب في ذلك، الشعب يتفق ويتوافق على محاربة الإرهاب والعنف ووقف نزيف الدم اليومي ويفوض الجيش والشرطة في القيام بهذا الواجب الوطني تحت غطاء الشرعية الشعبية خاصة في حالة عدم وجود مجلس شعب أو مجلس شورى!!؟
ثانيا الجيش المصري جيش وطني وهو يحمي خيارات الشعب..... أليس كذلك؟، لا يوجد شك في ذلك، ولا يوجد مصري وطني يختلف على حب الجيش واحترامه وتقديره، ولكن المبالغة في استدعاء الجيش لحل المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية طول الوقت هو المشكلة، والمبالغة في تصويره على أنه قادر على كل شيء طول الوقت، وأن الشعب سيكتفي بالتصفيق له كبطل أوحد على الساحة الوطنية ثم التسليم المطلق لإرادته بناءا على ذلك هو المشكلة.
وقد وقع المصريون منذ سنوات طويلة بين مطرقة الإخوان وسندان المؤسسة العسكرية، ففقدوا تعددية الخيارات، وضحوا بأحلامهم في الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة وانشغلوا بهدف واحد وهو الخلاص من الإخوان الذين تم شيطنتهم بالقدر الهائل ليشكلوا رعبا كبيرا يتم توظيفه لتمرير أي صيغة لنظام الحكم في مصر، في الأغلب ستكون صيغة عسكرية أو شبه عسكرية، أو عسكرية بوليسية ذات قناع مدني (كما كان الوضع قبل ذلك على مدى ستين عاما).
وهذا -كما ذكرنا- ليس له صلة بتقدريرنا ومحبتنا للجيش كحامي أساسي للأمن الوطني، ومن ناحية أخرى ليس دفاعا عن الإخوان أو تهوينا من شأنهم، فهم مسؤلون بأخطائهم الفادحة عما وصلنا ووصلوا إليه اليوم من التنازل المجاني عن أهداف ثورة 25 يناير (العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية) مقابل الحصول على الحد الأدنى من الأمن الذي تعدنا به القوة العسكرية والشرطية وتطلب منا اليوم تفويضا مفتوحا لتحقيقه.
وهذا يعبر عنه أحد ضباط الشرطة على صفحته وهو يتساءل بسخرية: إحنا هنرجع نحكم البلد من لاظوغلي ولا من المبنى الجديد في مدينة نصر؟؟، ويقول: "لما تلاقي حد من الثوار وبيقول لك ثورة 25 يناير طلع روح حبيب العادلي اللي جواك واعمل معاه الواجب عشان ينسى 25 وقول له 30 يونيو هي الثورة اللي نضفت مصر من 25 يناير" (جريدة الشروق 26/7/2013م). وتقول كاتبة معروفة في صحيفة المصري اليوم بنفس التاريخ "لا أرى ولا أشعر ولا أفهم شيئا في الوقت الحالي سوى الخلاص من الخطر الداهم الذي يهدد بلادي متمثلا في الإخوان المعتصمين وأصحاب شعار الإسلام السياسي الأونطه ده".
وهكذا تتضح الصورة، وهي أننا كمصريين تحت تأثير الخوف من خطر ما يتهددنا سواء كان حقيقيا أو مبالغا فيه، وتحت التهديد من تيار أو فصيل جرت شيطنته بشكل محترف واستغلال أخطائه المتكررة لخلق فزاعة تكفي لتخدير الوعي الشعبي العام لكي يقبل صيغة الحكم الجديدة، بل ويصفق لها ويركع أمامها وتأتي النساء ليسلمن أنفسهن زوجات أو حتى إماء للقائد الحامي المنتصر عن طيب خاطر وسعادة بالغة.
وتورط في هذه الاندفاعة الحماسية العاطفية كتاب كثر كانوا يتصفون بالعقلانية والموضوعية والقدرة على التحليل وعدم القابلية للإيحاء والاستهواء، فإذا بنا اليوم نجدهم في حالة استلاب للوعي وكأنهم خضعوا لتنويم مغناطيسي، أو أن كراهيتهم لتيار بعينه ومعاداتهم له سلبتهم القدرة على رؤية مخاطر أخرى طالما حذروا منها. وتورط في هذه الاندفاعة الكثيرون من التيار الليبرالي والعلماني والمدني ونسوا ثوابتهم في رفض الدولة الدينية والدولة العسكرية "معا"، وعوضوا فشلهم في مواجهة بوادر الدولة الدينية بالاحتماء بالمؤسسة العسكرية والتوسل إليها كي تقضي لهم على البعبع الذي أرعبهم.
إنني أخشى على الفريق السيسي وعلى المؤسسة العسكرية من هذه الحالة من التفويض المطلق والانبطاح والتسليم الشعبي غير المشروط، وأخشى عليهم من هذا المدح الزائد من كل الأبواق الإعلامية، فنحن في النهاية بشر ولدينا قابلية لإغواءات السلطة، ولدينا قابلية لتضخم الذات، ولدينا قابلية للانفراد بالقرار، وهذا ما حدث لزعيم وطني كبير مثل عبد الناصر، إذ قتله التاييد الشعبي الجارف بأن وضعه في مجال سحري لذيذ حجب عنه حقيقة ما يجري على الأرض حتى استفاق على هزيمة يونيو 1967م وتسبب دون أن يقصد في انكسار الجيش المصري وضياع أجزاء شاسعة من أرض مصر وسوريا وفلسطين وهو من هو "زعيم الأمة العربية".
إنني أحذر كل صاحب سلطة في مصر من خاصية لدى الشعب المصري تدفعه لصناعة الدكتاتور خاصة حين يعيش ظروفا صعبة ومهددة تجعله تحت تأثير خوف شديد فيلجأ إلى صناعة ذلك الدكتاتور القوي البارع القادر لكي يحتمي به من القوى التي تهدده سواء كانت حقيقية أو مضخمة أو حتى متخيلة. إنها خاصية قديمة حين كنا كمصريين نصنع الفرعون الإله المقدس الذي يحمل عنا كل المسئوليات ويحمينا من كل الأخطار لأن لدينا كسلا في أن نحمي أنفسنا بالطرق الطبيعية وببذل الجهد في الفضاء السياسي والمجتمعي المدني.
واقرأ أيضاً: