كما رفضنا عبارات التحريض التي انطلقت من بعض المنتمين للتيار الإسلامي ورفضنا القتل ومحاولات الاغتيال التي تمت بناءا على فتاوى متطرفة, نرفض أيضا خطاب الكراهية والعنصرية الذي ساد في الفترة الأخيرة تجاه الإخوان خاصة وأنه قد تجاوز حدود النقد ودخل في مساحة الاغتيال والتحريض على الإبادة والاستئصال والتطهير العرقي, حيث أفاض المحرضون في شيطنة الإخوان بما فيهم وبما ليس فيهم وعمموا الحكم عليهم جميعا بأنهم إرهابيون قتلة (سواء كانوا قادة أو أفراد), وأنهم غير مصريين, وأن انتماءهم فقط هو للجماعة, وأنهم خائنون للوطن, ولا تعنيهم مصر, وأنهم أعطوا سيناء لحماس وأعطوا حلايب وشلاتين للسودان.
حين تلصق بأحد كل هذه الصفات فأنت تنزع عنه لباس الوطنية, وتضعه ضمن أعداء الوطن وضد أعداء الإنسانية, وحين صدق القائلون هذه الأوصاف التي لم يقم عليها دليل (أو يملكون هم بعض أو كل الأدلة), انتقلوا إلى الخطوة التالية, وهي أنه لا يجوز التفاهم أو التصالح أو التوافق مع الإخوان, وأن من يدعو لهذا خائن عميل هو الآخر, وأنه من الطابور الخامس للإخوان, أو أنه من المخنثين سياسيا, والمترهلين وطنيا, وبناءا على ذلك لا يبقى أمام هؤلاء إلا حل واحد وهو التخلص من البؤر الإخوانية (هكذا قالها أحدهم, بل وزاد في الوصف أنهم بؤر صديدية في الوطن يجب التخلص منها فورا).
وأخشى ما أخشاه أن تترجم رسالة جمعة التفويض أمنيا وعسكريا إلى التصفية الدموية للإخوان بلا تمييز, وللأسف الشديد لو حدث هذا فربما لا يجد في هذه الظروف رفضا شعبيا حيث تم إعداد الوعي العام لتقبل ما يحدث.
وربما يقول قائل إن الإخوان هم من بدأ التحريض والتفرقة والعنف وأهدروا دم معارضيهم وحاصروا مدينة الإنتاج الإعلامي أكثر من مرة وروعوا الإعلاميين المخالفين وبعثوا لهم برسائل تهديد بالقتل, وحاصروا المحكمة الدستورية, وحاولوا أخونة الدولة, وحاولوا تفكيك مفاصلها, ويحاولون الآن إثارة الفزع والعنف في الشارع المصري مقابل أن تعود لهم السلطة التي فقدوها, ...... , ....... , ......... ولهؤلاء نقول: حتى لو سلمنا بأن كل ما يقال قد حدث, فلا يصح أن نعالج خطأ بخطأ, وإذا كنت تستنكر من خصمك السياسي قولا أو فعلا فلا يليق أن تمارسه, بل أن تتجاوزه إلى الاستئصال والتطهير العنصري. وأنا هنا لا أدافع عن الإخوان فقط, ولكن أدافع عن المبدأ, إذ لو أن هذا التمييز العنصري يتوجه نحو الليبراليين أوالعلمانيين أو اليساريين أو الناصريين أو أي فصيل أو شخص لرفضت ذلك ودافعت عنه.
إن الإخوان فصيل مصري فيهم ما فيهم من حسنات وسيئات المجتمع المصري, وقد أصابهم ما أصاب الشخصية المصرية من آفات في فترات الحكم الاستبدادي, ولديهم مشكلات في منهج التربية ومنهج التعامل مع الأحداث, وقد ارتكب قادتهم أخطاء كثيرة في الفترة الأخيرة حين اندفعوا نحو السلطة بلا حسابات وبلا استعداد لأعبائها مما أدخلهم في حقول ألغام انتهت بإبعادهم عنها, وكاتب هذه السطور انتقد الإخوان فيما أخطأوا فيه, وكان النقد سرا أحيانا وعلانية في أحيان أخرى بهدف الكف عن الخطأ والبدء في الإصلاح, ولكن فرقا بين النقد المباح والمطلوب لإصلاح أي تيار وبين التحقير والنبذ والتحريض وخطاب الكراهية والحض على القتل. فرقا بين أن تتحدث عن الإخوان كفصيل مصري له أخطاؤه التي تستوجب المراجعة, وهو يتكون من مصريين وطنيين لهم رؤية قد تختلف عن رؤيتك, وبين أن تعتبرهم خونة مارقين عن الصف الوطني.
أنا أدعو لمحاسبة من أخطأ في حق مصر والمصريين من أي تيار وفقا للقانون, وأدعو لمعاقبة كل من حمل سلاحا أو مارس عنفا أو ترويعا من أي تيار وفقا للقانون, أما ما يخرج عن ذلك من إجراءات استثنائية أو أعمال انتقامية ضد أي شخص أو أي تيار فنرفضه ويرفضه معنا كل عاقل لأنه يفتح أبوابا من العنف والعنف المضاد ندفع جميعا ثمنها من أمننا وأرواحنا. وأدعو إلى مساعدة كل من أخطأ في حساباته أن يراجع نفسه, ويعود إلى نسيج المجتمع, وأن يتقبله المجتمع ويساعده في أن يصبح عنصرا إيجابيا فعّالا ورصيدا للوطن, ومن منا لم يخطئ؟.
إننا نرفض كل خطابات الكراهية والتحريض من أي شخص ومن أي تيار, وأتمنى أن يكون هناك قانون لمنع التمييز العنصري يندرج تحته كل أعمال التحريض والتشويه والنبذ, خاصة أن هذا القانون موجود في بلاد كثيرة من العالم المتقدم, وإلى أن يحدث ذلك ننبه كل المحرضين أن النار التي يشعلونها قد لا تفرق بين مؤيد ومعارض, وقد يرتد شررها إلى من أطلقها, فأنت تتحدث عن تيار بمئات الآلاف أو بالملايين ولهم مؤيدوهم ومحبوهم ولهم تاريخ طويل للعمل وسط الناس, ومنهم أساتذة جامعات وأطباء ومهندسين ومحامين ومعلمين وحرفيين وعلماء ومفكرين ولنا فيهم أهل وأحبة وأصدقاء وزملاء وجيران وهم موجودون في كل قرية وكل مدينة وكل شارع وكل حي في مصر, ولا يصح عقلا وعرفا أن تصفهم جميعا بالإرهابيين وتطالب بالقضاء عليهم مهما كانت درجة الخلاف معهم, ومهما كانت أخطائهم.
ولننتبه إلى أن مبارك استخدم فزاعة الإخوان سنوات طويلة لتمرير استبداده وفساده, وأن الغرب استخدم فزاعة الإرهاب الإسلامي لاستئصال دول وجيوش بأكملها. وليس مستبعدا الآن أن يتم توظيف أخطاء الإخوان لخلق فزاعة جديدة تسهل إجراءات بعينها – محلية وإقليمية وعالمية - قد نشعر بالندم عليها في وقت من الأوقات.
إنها دعوة لتحكيم العقل ورؤية تفاصيل المشهد وكافة جوانبه, وعدم الانزلاق وراء الدعوات العنصرية مهما تكن دوافعها.
واقرأ أيضاً:
الحالة النفسية للإسلاميين / رسالة إلى العقلاء في الإخوان: لا تحملوا السلاح ولا تحرقوا مراكبكم / صناعة الدكتاتور