إحدى المذيعات "المدللات" في مكالمة مع المتحدث الإعلامي لرئاسة الوزراء تسأله عن فض الاعتصام فبيقول لها نحن نحاول التوصل لحل سياسي بجانب الحل الأمني تجنبا لحدوث مجازر، فترد عليه قائلة: "لأ لازم الحزم"، يقول لها "احنا بنتجنب حدوث دم كتير"، تقول له "كده مينفعش الناس مضايقة.."!!!.
وكاتب آخر "كبير" يصف الحكومة بالضعف والتراخي وخلف وعدها للناس لأنها لم تقتحم ميداني رابعة والنهضة، وأنها تخسر المعركة أمام الإخوان، وأنها تفتقد للخبرة والحنكة، وأن أياديها مرتعشة. وغيرهم إعلاميون وسياسيون يضغطون الآن على الحكومة لفض الاعتصام بصرف النظر عن أي تداعيات أو احتمالات.
هؤلاء هم العضاضون والعضاضات الذين يرغبون في رؤية فيلم فض الاعتصام والاستمتاع بما يسيل فيه من دماء، سواء كانت دماء خصومهم من الإسلاميين الذين لا يطيقونهم، أو كانوا من الشرطة والجيش. وهم يمتلكون قدرا هائلا من السذاجة السياسية التي امتلكها من فكر في البداية في فض الاعتصام بالقوة ووضع نفسه في وضع حرج الآن، فلا هو يستطيع تحمل الثمن الأمني والسياسي لفض الاعتصام ولا هو يستطيع التراجع فيخسر صورته أمام الناس.
إن أي مبتدئ في أي جهاز أمني يعرف أن كلفة فض اعتصام بهذا الحجم وبهذه التركيبة العقائدية والتنظيمية يشكل كارثة إنسانية لا يحتملها أي نظام على وجه الأرض خاصة في عالم يتم فيه تصوير ونقل كل شئ يحدث بكل التفاصيل، وبالطبع لن يتحمل الضمير العالمي رؤية دماء تسيل وأرواح تزهق بالآلاف من أجل فض اعتصام، كما أن سقوط عدد كبير من القتلى قد يفتح الباب أمام حرب أهلية، وقد يقلب موازين المعادلة السياسية لصالح من يتم فض اعتصامهم.
هؤلاء العضاضين والعضاضات لا يهمهم كل هذا، هم لديهم حالة من الكراهية والغضب والبغض العنصري لا تهدأ إلا برؤية دماء من يكرهونهم حتى ولو كان ذلك على جثة الوطن بأكمله، هم لا يفكرون في اللحظة القادمة هم يريدون الدم الآن، هم لا يحتملون وجود مناوئيهم في المنظومة السياسية مرة أخرى لذلك لا يكفون ليل نهار عن وصفهم جميعا وبلا استثناء بالإرهاب والخيانة ويخلعون عنهم "جميعا وبلا استثناء" رداء الوطنية (وهو نفس مايفعله المتطرفون الدينيون من خلع رداء الإيمان عن مخالفيهم).
وأخشى ما أخشاه أن تقع الحكومة الحالية تحت ضغط هؤلاء العضاضين فتندفع بتهور نحو هذه المجزرة البشرية.
أقول هذا وأنا أستنكر بشدة ما يؤدي إليه الاعتصام من اختناقات مرورية وصعوبات حياتية بالغة وإزعاج قاتل لسكان مناطق الاعتصام، وما يدور على المنصة من تحريض وشحن ضد الجميع، واستغلال ليلة القدر للدعاء على المعارضين من أبناء الوطن دون سند شرعي لذلك، وهذا لا يعني إنكار حق الاعتصام السلمي، ولكن أن يكون الاعتصام مراعيا للضوابط القانونية والضوابط الشرعية، وهذا نطالب به أي اعتصام سواء كان في التحرير أو رابعة أو النهضة أو أي مكان، فالعضاضون لديهم نظرة عوراء حيث يرون فقط مساوئ وأخطاء اعتصام رابعة والنهضة ولا يرون أن نفس المساوئ والمشكلات تحدث أيضا من اعتصام التحرير الذي طال شهورا وأصاب أهم ميدان في مصر بالشلل التام وأضر بمصالح الذين يعيشون حوله، وضرب منطقة وسط البلد التي تعد مركزا تجاريا ومجالا سياحيا أهم من رابعة مئات المرات.
إن أي عاقل يتمنى أن تنتهي كل الاعتصامات ويعود الناس إلى بيوتهم وأعمالهم وتدور عجلة الإنتاج ويعم الأمن والهدوء وتنتعش السياحة ويتعافى الاقتصاد ويتصالح الناس مع بعضهم مرة أخرى، ولكن أن يتم ذلك بشكل آمن يحفظ الأرواح والدماء ويحقق العدل للجميع ولا يكون على حساب طرف واحد يخسر كل شيء لصالح طرف يكسب كل شيء.
إن العضاضون والعضاضات يشكلون خطرا شديدا على المجتمع المصري حيث يصدرون طول الوقت خطابا صراعيا عنصريا استئصاليا، ويتهمون كل من يبحث عن حل سياسي أو توافق مجتمعي بالتخاذل والضعف. وهؤلاء سلخوا الدكتور البرادعي بسبب تصريحاته المختصة بالميل للعفو المصالحة الوطنية ورفض فض الاعتصام بالقوة .
إن العضاضين والعضاضات ليسوا فقط عدوانيين ودمويين وعنصريين ولكنهم أيضا سذج، فهم يتصورون أعداءهم كما يتصور الأطفال في القرى "أبو رجل مسلوخه" في الحواديت القديمة ويريدون من "عمو العسكري" أن يقتل "أبو رجل مسلوخه"، ولكن للأسف الشديد رغم عنصريتهم وسذاجتهم إلا أنهم يمتلكون موهبة الكتابة والحديث والتأثير في الناس من خلال منابر إعلامية قوية، وهذه هي خطورتهم.