اتصل مشاهد مصري كبير السن من الصعيد على أحد القنوات الفضائية يرجو الجميع بمن فيهم مرشحي الرئاسة أن يوقفوا مهزلة رقص فتيات ونساء مصر أمام اللجان الانتخابية فهو يشعر بالعار أن يرانا العالم بهذه الصورة الهزلية خاصة مع عرض أغنية "بشرة خير" التي تبرز المصريين كلهم في أوضاع راقصة رجال ونساء شباب وفتيات، وكأن الرقص أصبح عنوان مصر وشغلها الشاغل، وكأن مخرج الأغنية الوطنية الأشهر لم يجد في مصر علماء وأطباء ومهندسين وعمال وفلاحين وإنما وجد فقط راقصين وراقصات.
ولقد اعتبر البعض أن الرقص في الانتخابات الرئاسية الحالية واجب وطني مما دفع أحد الشباب أن يضع فيديو لأمه وهي ترقص بشكل مبتذل، وقد تبع ذلك تعليقات جارحة للشرف وللكرامة تقبلها الشاب بصدر رحب على أساس أنه يقدم رقصة أمه هدية للوطن وللمرشح الرئاسي الذي يعشقه بل يقدسه ويرفعه فوق مستوى البشر.
وقد لوحظ أن الحضور النسائي في الانتخابات تفوق على الحضور الرجالي ربما للأسباب التالية :
1 – كان ثمة خطاب عاطفي رومانسي موجه من أحد المرشحين نحو المرأة يعلي من قدرها ويخاطب ويدغدغ مشاعرها .
2 – المرأة أكثر مشاهدة وأكثر تأثرا بالتليفزيون كوسيلة إعلامية، وقد كانت القنوات الحكومية والخاصة تعمل ليل نهار في اتجاه الحشد لمرشح بعينه وترسيخ صورة الزعيم البطل المخلص مانح الأمان والاستقرار، وفي المقابل ترسيخ صورة ملؤها الخوف
والتهديد والفزع من القوى المعارضة والتي ساهمت بغير وعي في تأكيد هذه الصورة الذهنية.
3- المرأة أكثر ميلا لقبول السلطة الأبوية التي تشعر معها بالأمان وتخشى المغامرة والتغيير الذي لا تعرف عواقبه، ولما كان أحد المرشحين يوحي بهذه الصورة؛ اندفعت المرأة لتأييد ذلك المرشح بحثا عن الأمان الذي يشكل احتياجا مهما لديها خاصة
في وقت الأزمات والصراعات والتهديدات.
4 – والمرأة التي ظهرت أمام اللجان كانت تنتمي في الأغلب للطبقات المتوسطة والطبقات الدنيا وظهرت وهي ترقص وتغني وكأنها في احتفالية وليست في اختيار مرشح له حسناته وله عيوبه، وهذا يشير إلى ضعف الرؤية النقدية الموضوعية للمرشح
وغلبة الناحية العاطفية التي تعرضت للكثير من الإيحاءات والاستمالات. وهذا لا يمنع مشاركة سيدات من الطبقة العليا خاصة ممن ينتمين لما يسمى بحزب الكنبة.
5 – والمرأة عموما كانت موجودة في كل الأحداث منذ 25 يناير وحتى الآن سواء في الفعاليات المؤيدة أو في الفعاليات المعارضة وهذا ربما يعكس إحساسا بالقلق وبالمسئولية على الوطن، وهذا متوقع من المرأة التي تخشى على أمانها ومستقبلها
وكذلك على أولادها وذويها بشكل أكثر من الرجل .
أما غياب الرجل (نسبيا) عن التصويت ففي الأغلب هو نوع من المعارضة الصامتة أو العصيان الانتخابي أو العدوان الخفي أو الاغتراب السياسي، أي أن امتناع الرجل عن الذهاب بنفس الكثافة لا يعكس تكاسلا أو استهتارا –كما يقال -بقدر ما يعكس موقفا سياسيا مما يحدث في الشهور الأخيرة من ظهور رموز الحزب الوطني والنظام القديم في حملة أحد المرشحين وكأن ثورة يناير لم تقم، ومن حملات التأييد والتفويض والمبايعة والتهليل والتقديس المبالغ فيها، ومن برامج ضعيفة وشعارات براقة لا تقنع أصحاب العقول النقدية، ومن ممارسات قمعية وعودة جهاز الشرطة إلى ممارساته القديمة أيام مبارك وربما أكثر، ومن كذب وتهويل إعلامي فج، ومن تأكيد على أن المعركة الانتخابية محسومة مسبقا. كل هذا قد يفسر هذه الحالة من العصيان الانتخابي الواضحة أكثر لدى الرجل بحكم ميله للرؤية النقدية وعدم تأثره بنفس القدر بالإعلام التليفزيوني أحادي الوجهة.
وأيا كانت نتيجة الانتخابات فإن الصورة العامة لمصر لم تكن على مايرام، إذ ظهر زيف الإعلام في الترويج للبطل الأوحد معبود الجماهير، وقدم صورة غير مشرفة وهو يركز على صورة المرأة المصرية كراقصة أمام اللجان، وظهرت أرقام لا يؤيدها الواقع في نسب التصويت، وبقيت الحقيقة المؤكدة وهي أن ثمة قوى معارضة متنوعة أوصلت رسالة للرئيس القادم تفيد حجم تأثيرها وتكشف التزييف الإعلامي المتوسع في الشهور الأخيره والذي يضر بالرئيس القادم ويضر بالوطن .
واقرأ أيضاً:
بروفايل مرشحيّ الرئاسة/ أول يوم للمشير السيسي في قصر الرئاسة/ أنـا السيسي/ أول يوم للرئيس حمدين في قصر الرئاسة/ المقاطعون