ظهرت كتابات تتعامل مع النصر والهزيمة في حرب العصف المأكول بلغة الأرقام المجردة، بعض الكتاب كان دافعهم الغيرة والألم على شهدائنا، والآخر ولج إلى هذا الباب بغرض التخذيل والتقليل من شأن المقاومة الفلسطينية متناسين عمدا أن الحرب وسيلة لتحقيق أهداف سياسية.
إذا سلمنا بأن الحرب هي لغة أرقام فقط فإن إسرائيل هي المنتصرة.
وهل الحرب هي معدات وقتلى فقط؟
من المعلوم أن القتلى في الجانب المدني في أي حرب هم الأكثر تعرضا للوحشية لأنهم هدفا سهلا ويمكن استغلالهم للضغط على الجانب المقاتل.
وهذا ما قامت به إسرائيل في إلحاق أكبر الخسائر المادية والجسدية في الجانب الفلسطيني.
لكن هل إسرائيل تمارس القتل ضد الشعب الفلسطيني فقط في الحرب؟ هل معاهدات السلام معها ردعتها عن القتل والاعتقالات والتنغيص على حياة الشعب الفلسطيني؟ ألم تكن المقاومة الفلسطينية في غزة المحاصرة برا وجوا وبحرا لمدة 8 سنوات من القريب قبل البعيد في حالة دفاع عن النفس؟
بوركت سواعد المقاومة التي صنعت السلاح وأنجزت ما لم تنجزه جيوش عربية هزمت في 6 أيام بل الحقيقة في 6 ساعات فضلا عن الخسائر المادية والشهداء المدنيين في بلادهم وجرجرت الجنود الأسرى مثل قطيع الأغنام وأعدمت الكثير منهم ميدانيا.
إسرائيل خاضت 14 حربا مع العرب وقتلت من المدنيين العرب الكثير ودمرت مدن عربية وكانت تفرض شروطها على المنهزمين العرب لكنها لم تفرض شروطها على المقاومة الفلسطينية مع أن الحرب كانت غير متكافئة ماديا بين الطرفين، فدولة الصهاينة تتفوق عسكريا على سلاح المقاومة الفلسطينية.
لكن الجانب النفسي والمعنوي وإرادة القتال كانت لصالح المقاومة الفلسطينية التي دخلت الحرب كضعيف ليس عنده ما يخسره فكان ظهرها إما للجدار أو البحر مع الثقة بعون الله.
أستحضر وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أوصى سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قائلاً له: أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله عز وجل، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي، فإنها أضر عليكم من عدوكم، وإنما تنصرون بمعصية عدوكم لله، فإن استويتم في المعصية كان لهم الفضل عليكم بالقوة.
أفهم أن يكون الشعور بالألم على استشهاد المدنين بأن نساعد ونساند المقاومة لا أن نكون ضدها، لذا كشفت الحرب القناع عن المنافقين العرب باثين سموم الهزيمة بألسنتهم وأقلامهم ومأجوريهم الذين تربوا على التلذذ بالذل فيصعب عليها الاستمتاع ولو باليسير من عزة النفس. سهل على الفاشلين أن ينتقدوا عملا لا يستطيعون فعله ولقد أرانا الله بدايات النصر أن المقاومة في غزة لم تكن تحارب إسرائيل وحلفاءها الغربيين بل العربان الذين أخزاهم الله.
بعد هذه الحرب، لم تعد إسرائيل- كما ذكر الكاتب ماجد كيالي- المكان الآمن ليهود العالم الذين اعتقدوا أنهم سيجدون العسل وإنما وجدوا القتل والإنفاق والقلق والهروب من مكان إلى مكان، وظهرت حقيقة إسرائيل أنها دولة النازيين الجدد التي تسيطر بقوة جرائهما على الشعب الفلسطيني، لم تعد دولة الصهاينة قوة ردع وأن جيشها المزود بأحدث الأسلحة لا يقهر قد قهر، إذ حاول الكثير منهم إما الانتحار أو إحداث إصابات جسديه لكي لا يحاربوا، ولم تعد إسرائيل قوة لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة وهي التي تساقطت عليها صواريخ المقاومة مع وجود أنظمة الباتريوت والقبة الحديدية، وانسحبت سابقا من طرف واحد من جنوب لبنان عام 2000 ومن غزة عام 2005.
هذا النصر لا يعني أن المقاومة الفلسطينية أصبحت قوة موازية للجيش الإسرائيلي أو أن غزة أصبحت قاعدة لوحدها لتحرير فلسطين لكن المعطيات دلت على أن كافة الحروب السابقة لم تحارب فيها الجيوش العربية وإنما هي لحفظ الأنظمة ومحاربة شعوبها كون الجيش العربي ( عفش ) زائد في حياة المواطن العربي وأن الحرب الحالية أظهرت العجز العربي على المستوى الرسمي والشعبي الذي لا يحتاج إلى تأكيد.
الحرب مع إسرائيل لا تحتاج إلى جيوش وإنما إلى ميلشيا شعبية مسلحة ومدربة، والمقاومة الفلسطينية لم تكن تخشى كسب الأعداء لكن الله رزقها بتعاطف كثير من الأصدقاء وإن لم يكونوا من العربان، لا زال الكثير أمام المقاومة الفلسطينية لتفعله وهي في تطور دائم على كافة المستويات لأن السلام الحقيقي لا يكتمل في منطقتنا إلا بعدم وجود دولة الصهاينة وهي حقيقة نهاية الصراع معها.
اقرأ أيضاً:
صمتٌ متخاذلٌ وتبريرٌ متآمرٌ/ الموقف التركي من العدوان على غزة/ التطورات النفسية في حرب غزه –إسرائيل/ بين حرب تموز/يوليو والجرف الصامد/ النصر الإسرائيلي في الحرب على قطاع غزة!