أصبحت تستفزني جدا كلمة إرهاب في الآونة الأخيرة إضافة إلى عدد من المسميات كالتكفيريين، والإسلاميين والجهاديين والنصرة وداعش .. إلخ! فأما التكفيريين فقرأتها أول ما قرأتها في مقالة أو مدونة لأحمد الكناني طالب الفلسفة العراقي في أمريكا حتى ربما 2005 وبعدها انقطعت صلته بالموقع هو العراقي الشريد أي أنني عرفت مصطلح التكفييرين أول ما عرفته بعد الهجمة الأنجلومتوسطية والشرق أوسطية على العراق .. بعد ذلك سمعتها في نطاقات متفرقة مع أخبار العراق وأخيرا سوريا .. كان المقصود أحيانا جماعة أسامة بن لادن أي القاعدة حين بدأ تواجدها في العراق، ثم سمعتها قبل الثورات العربية في سوريا .. ولا أظنه ذا علاقة بجماعة التكفير والهجرة التي ظهرت في مصر أيام الرئيس السادات يرحمه الله ويفترض أنه نجح في القضاء عليها لأنها انتهت فعليا على الأرض بل نسيها الناس.
ثم كلمة الإسلاميين التي طفحت في الآونة الأخيرة أولا في سوريا ثم في تونس وشمال إفريقيا ومصر ثم في داعش .. والحقيقة أنها كلمة غالبا ما كانت لا تستخدم قديما مشيرين إليها بالتيارات الدينية المتطرفة أو بالمتطرفين، واكتسبت الكلمة في مصر معنى خاصا بعد أحداث الثلاثين من يونيو وما تلاها من استيلاء الجيش على السلطة بأمر الشعب! وما يبدو للناس كأنه إدخال مصر فجأة في معمعة الحرب على الإرهاب! لكن دعونا نتذكر ونعترف بالفضل للرئيس محمد حسني مبارك الذي رغم قناعته بأن القوى الإسلامية هي قوى ظلامية لم يطلق عليهم لفظة الإسلاميين، منذ اللحظات الأولى ربما بعد الثورة بدأت كلمة الإسلاميين في الظهور كقوى سياسية متناحرة أحيانا، متناصرة غالبا، لكنها بعد الثالث من يوليو بدأت تأخذ بعدا بل أبعادا جديدة .. ففي خضم تلويث الإرهاب والجماعات الإرهابية وقتل التكفيريين في سيناء وفي غيرها أصبح تعبير إسلاميين مرتبطا بالقتل والذبح والفظائع .. وكله ضمن الحرب على الإرهاب.
كل الطرق حقيقة تؤدي إلى الإرهاب .. ما هو الإرهاب؟؟ هو غالبا مصطلح تستعمله الأنظمة البوليسية في الدول والمجتمعات المختلفة باعتبارهم الحارس والحامي لوصف من ينتهك حريات الناس أو اختياراتهم أو يهددهم بشكل أو بآخر، مستغلا الدين أو أي أيديلوجية فكرية تخالف أيديولوجية الدولة، لكن أفعال الإرهابيين غالبا فظيعة ومقززة على المستوى الإنساني! قديما كان يكتفى بعرض فيديوهات لجنود ملثمين يتدربون على فنون القتال، أما اليوم فقد اختلفت الصورة صحيح أن اختلافها جاء بالتدريج مبتدئين من استشهادي يعلن للعملية التي سيقوم بها، وصولا إلى صور وفيديوهات الأسرى الأجانب .. ثم ظهرت فيديوهات النحر مع التكبير الذي بدأ ونحن على أبواب الثورة السورية .. وواكب ذلك النوع من الوسائط التي تربط الإسلاميين بأفعال لا إنسانية سنوات الثورات العربية أو ما سمي بالربيع العربي وظل يرتبط بالثورة السورية خاصة، وأحيانا بجماعات الإسلاميين في شمال إفريقيا .. ثم أخيرا أهدت حماس بنفسها مقطعا مؤسفا لمن يريد تشويه صورتها.
وقد لوحظ منذ الحادي عشر من سبتمبر وأيامها وكأن والعالم كلهُ يضعنا تحتَ عدَسَةِ المجهر يتفحصُ ملامحنا، ويرصدُ أفعالنا وردودَ أفعالنا، ويتسمعُ لهمسنا لعلَّ فيه ما يفيدُ، أو معلومةٍ عن هجومٍ إرهابيٍّ جديد!! وقد لاحظ ذلك أخي ابن عبد الله وكتبه في مقدمة لكتاب الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي ولم تنشرها عالم المعرفة: "ليسَ أقلَّ من أن نمتلك الشجاعةَ فنعترفَ بهذه الوضعية، وليس أقل من أن نعتمدَ الصراحةَ في مواجهة الحقائق، ومنها أن كلماتٍ مثل الاجتهاد والجهاد وحتى الإسلام – بكل ما لها من قيمةٍ واحترامٍ لدينا أصلاً– قد صارت كلماتٍ سيئة السمعة غالبًا في العالم من حولنا، وأن تجاهل هذا الأمر لا يعني دفنَ الرؤوس في الرمال فحسب، ولكن أيضًا الاستسلام لمستقبلٍ شديد البؤس تبدو ملامحهُ وتتكشفُ لنا يومًا بعد يوم"
كذلك لوحظ منذ الحادي عشر من سبتمبر وبدء الاستعداد للهجوم على طالبان أن تقريبا كل دول العالم تحارب الإرهاب الذي تحاربه أمريكا؟ وكلها تتمنى المشاركة في ذلك وتدعيها أحيانا معتبرة إرهابييها تلقائيا هم الإرهاب الذي تحاربه أمريكا، هكذا كنت سأقول وأنا أظن الظاهرة جديدة .. إلا أنني فوجئت وأنا أطلع أمي –متعها الله بالصحة والسعادة- على مقطع على اليوتيوب لسيد الملاح وهو يقلد فهد بلان .. قالت لي سيد الملاح كان أبوك يرحمه الله يكرهه قلت لها لماذا؟ قالت كان يغني اضرب رأس الإرهابي بالقبقاب .. ففاجأني فعلا أن المصطلح قديم، وسألتها كانوا يسمونهم إرهابيين أيام عبد الناصر فردت علي وأيام الملك يا ابني!
في كل دولة كنت قديما تستطيع بسهولة استنتاج من سيطلق عليهم إرهابيون إنهم المخالفون للقانون أو للدولة أو الداعون للانفصال أو أي أعداء لنظام شمولي ... ثم تم ربطه لسنوات من أواخر الستينات إلى نهاية سبعينات القرن العشرين بمنظمة التحرير الفلسطينية وبمعمر القذافي ثم بأنظمة المخابرات القذرة وبإسلامي القاعدة .. ثم مع نمو ظاهرة رهاب الإسلام Islamophobia بعد الحادي عشر من سبتمبر تم على المستوى العالمي ربطه بالإسلام وبوضوح أكثر بالإسلام المقاوم أو الذي لا يقبل التطبيع مع إسرائيل، وأيضًا بالجبهات السنية المحاربة أو من ربما ينطبق عليهم لفظ الجهاديين .. هذا ما يتبدى للناظر على عجل لمن يطلق عليهم "إرهاب" بينما الحقيقة الواقعة أن "إرهاب" هي صفة تخلعها الدولة على أي تنظيم أو توجه فكري وسلوكي تحاربه دولة ما لأنها تعتبره تهديدا .. لكن خلع الصفة لا ينبئ بحقيقة أكثر من ذلك! ولا ينم عن جوهر أو ماهية الموصوف بقدر ما ينم عن رؤية الدولة له، سواء كان ذلك من ناحية النهج الفكري أو السلوك الفعلي لأفراده، ولذلك فإن المشترك بين الإرهابيين أو التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم هو فقط أن دولة ما أو دولا خلعت صفة الإرهاب على الفرد أو التنظيم.
رجعت بي الذكريات بما يشبه الدوران في رحى الصدمات المعرفية المتتالية! السعودية علمتنا في مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية علما شرعيا كاد يضاهي ما يدرس في الأزهر في مصر وكانت الكتب مثل الحديث والثقافة الإسلامية والتفسير والتوحيد والفقه تحمل بوضوح أسماء يتكرر فيها محمد قطب (نعم أخو سيد قطب- يرحمه الله) ..عرفت ضمن هذا العلم الشرعي وبمنتهى الوضوح أن الغرب كفار والشرق كفار وأن علينا أن نغير هذا كله، ودليل ذلك هو حديث سيد الخلق عليه الصلاة والسلام "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وعليه كان ما يفعله من يطلق عليهم إرهابيون من تكسير محلات بيع الخمور أو أماكن الرقص أو ممارسة الدعارة في البلاد الإسلامية عملا لا غبار عليه ممن يرون أنهم يستطيعون التغيير بأيديهم، السعودية تراجعت في الظلام اليوم عن كل ما كانت مسئولة عن نشره بين الناس، وامتد تأثيره ليس فقط في طول البلاد الإسلامية وعرضها بل في كل العالم، لماذا تراجعت ولماذا تغير تفسير حديث "من رأى منكم منكرا" من حديث يوجب على المسلم تغيير كل ما يراه مخالفا لشرع الله إلى حديث يعني أن هذا دور الدولة الإسلامية (طبعا كان ذلك قي ثمانينيات القرن الماضي ولا علاقة له بتنظيم الدولة الإسلامية داعش) وبهذا المعنى أو التفسير الجديد راح يصدح الشيوخ على كل منبر رسمي.
لا أذكر جيدا متى كانت أول دعوة أطلقها محمد حسني مبارك لعقد ما أسماه "مؤتمر دولي للإرهاب" ولا أحد يدري بشكل مؤكد ماذا كان يريد حسني مبارك من ذلك.... لكن الثابت عندي أنه ظل يعيد ويزيد لسنوات في قصة "قلنا لهم "يقصد الغرب وأمريكا –وربما حليفته إسرائيل- منذ مدة وأكثر من مرة ضرورة عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب" وظلت دعوته بلا مجيب وبدا تكراره لها دون استجابة من أحد أمرا مستفزا بلا تفسير إلا أن الرجل يحاول لعب أي دور .. أيامها كنت أتفكه بذلك قائلا "نفسه يلعب أي دور أي سبوبه!" .. لكن ما يتضح اليوم يثبت فعلا أنه كان يعرف جيدا ما هو الدور المقبل لمصر.
فاليوم ثبت أننا تحركنا من الدعوة لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب إلى إعلان الحرب على الإرهاب بداية محليا .. ثم أخيرا أعلنها عبد الفتاح السيسي من نيويورك أننا ليس فقط مستعدون لخدمة "مساعدة" أمريكا في حربها ضد الإرهاب وهو الإعلان المطلوب من أي دولة تود إثبات الولاء والبراء لأمريكا، ليس فقط وإنما نحن مصرون على محاربة الإرهاب الحاصل والإرهاب المحتمل كهدف مصري "مستقل"، واللغز المبهم هنا هو ما هو الإرهاب الذي يقصده السيسي هل هو الإخوان؟ أو هو الإسلاميون؟ أو الإسلام السياسي؟ وإلى أي حد يتفق أو يختلف مع الإرهاب الذي تقصده أمريكا والذي تقصده إسرائيل؟ وإلى أي حد يعتبر إغلاق معبر رفح لخنق حماس جزءً من الحرب على الإرهاب؟ ثم ما هو الخط الفاصل بين ما هو "إسلام" وما هو "إرهاب"؟ وكيف يمكن أن نصل إلى صيغة تحقق وحدة المبدأ والمسار بين السعودية ومصر وأمريكا وإسرائيل؟
وما يجيئ مضحكا في هذا السياق أن نرى تصاعد الفقاقيع المعرفية الانفعالية حول ما سمي بحملة دار الإفتاء المصرية التي أطلقتها لتغيير مسمى "الدولة الإسلامية" عند الحديث عن التنظيم الإرهابي واستبداله بـ "منشقي القاعدة"، وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الحكومة الفرنسية قد استجابت لمبادرة دار الإفتاء وأصدرت بيانًا استبدلت فيه اسم "الدولة الإسلامية"، كما نقلت تصريحات وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس للصحفيين بأنه لا ينصح باستخدم مسمى "الدولة الإسلامية" لأنه يطمس الخطوط الفاصلة بين الإسلام والمسلمين من جهة وبين الإرهابيين الذين لا ينتمون للإسلام من جهة أخرى، مؤكدًا أنه لن يستخدم هذا المصطلح عند الحديث عنهم، وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه ليس الفرنسيون وحدهم من سيتوقفون عن استخدام هذا المسمى للتعبير عن رفضهم لتلك الممارسات وربطها بالإسلام، وقالت واشنطن بوست: "إن مبادرة دار الإفتاء جاءت للتعبير عن رفض المؤسسة الدينية للعديد من الصور النمطية المشوهة التي ارتبطت بالإسلام من أعمال دموية تقوم بها تلك الجماعة الإرهابية".
هذا الكلام الجميل اللذيذ هل ينفي أن ما سيحدث بعده سيكون أن كل جندي على الأقل من الكبار في الحرب على الإرهاب سيكون في مرحلة ما محددا لمفهوم الإرهاب بنفسه وحسب تقييمه ومعلوماته؟ هل هناك ما يضمن بأن كلا منهم يستطيع التمييز بين الإرهاب والإسلام؟ هل يضمن جنودنا من العرب أنه لن يضطر إلى قتل جاره أو أخيه؟ هل الجنود كلهم يعرفون الخط الفارق بين الإرهاب والإسلام؟ هل سيعنى أحد بتثقيفهم؟ أم سيصنف المنتفضون لانتهاك حرماتهم "إرهابيين" .. كما حدث مرارا في العراق وسوريا وأخيرا في مصر؟ فيقتلون أو يسجنون؟ من سيكون المعني بتطبيق القانون وهل ستكون لكل الإرهابيين سجون بلا حقوق كما في السجون العربية أم ستكون جوانتينامو جديدة؟
ما يضحكني ويبكيني أن جنودنا نحن ليسوا على دراية كافية بما هو الإرهاب وما هو الخط الفاصل بينه وبين الإسلام فما بالكم بجنود من دول العالم المختلف وما ظنكم في جنود إسرائيل (الذين كانوا في غزة الأبية يضربون أعلى نقطة في المئذنة لإسقاط الهلال، هذا في المساجد التي لم يأخذوا أوامر بتدميرها) .. أرجو ألا نكون ناسين أن إسرائيل كانت أقدم دول العالم ولعلها الآن أهمها في تحديد ما هو الإرهاب ومن هم الإرهابيون .. وهم مع دول المنطقة ينسقون!
أرانا على زمن صعب مقبلين ... والحديث ذو شجون، وأنا من الفجر صائم لأول مرة إن شاء الله سأصوم أوائل ذي الحجة فهل أنتم صائمون؟
واقرأ أيضا:
إسرائيل أخطر دولة إرهابية في العالم / ينابيع الإرهاب الإسرائيلي / أربع رسائل لحادث رفح الإرهابي! / فصل في إرهاب الدولة / إسرائيل والإرهاب