في مطلع عام جديد يهتم الناس بمعرفة حصاد ما انقضى، واستطلاع تنبؤات ما هو آت، وزيارة إلى عقول وخيال الشباب أظنها تفي بالغرض!!
في آخر شهور السنة، ومنذ العام 1989 بالقاهرة ينعقد سنويا ملتقى للفنون التشكيلية يعرض إبداعات الشباب حتى سن الخامسة والثلاثين، بحيث انتهت للتو دورة اليوبيل الفضي لصالون الشباب، وقد حملت دورة هذا العام مفاجأت عديدة، وإبداعات معبرة وملهمة لم ينقص مشهد عرضها إلا بغياب الجمهور!!
الفنان "محمود مرعي" فاز بجائزة عن عمله الذي كان عبارة عما يشبه الجسد المكفن في قماش، تخرج من منطقة البطن والحوض أعشاب خضراء طبيعية هي أوراق نابتة من حبوب قمح مزروعة، والرأس يتحرك بواسطة خلية ضوئية مع اقتراب المتلقي لمسافة متر أو أقل، وتوجد قلة يتساقط منها الماء قطرات على العشب الطبيعي، ومغطاة بالأعشاب.... هي الأخرى!
الحياة والموت يتجاوران بحيث تخرج الحياة من الميت، وتبقى رغبة الحياة فيمن يأكلون ويشربون، ولكنهم ماتوا، ولو كانت أسماؤهم في عداد من على قيد الحياة!!
معنى "الموت بالحياة" ليس هو فقط ما قد تفكر فيه، فقد جال بخاطري عن الشهداء الأبرار الذين ضحوا بحياتهم لتنبت لنا من أرواحهم حياة أخرى أفضل، وهكذا تتناوب دورات الحياة والموت!!
في الجوار عرضت "إيمان علي" عملها الخاص الحاصل على جائزة أخرى، وهو عبارة عن علب بلاستيكية شفافة مستطيلة حبست في اثنتين منها فئران تجارب حية بيضاء، ووضعت في الأخرى أسلاكا شائكة، كما وضعت على الأرض نماذجا بلاستيكية لفئران سوداء، وكتبت إلى جانب هذه التكوينات (التي أسمتها حضانات الخوف).. تقول:
"وكان أن استغلت السلطة -في كل صورها عبر التطور الإنساني للمجتمعات- غريزة الخوف، بل إنها استطاعت إبداع حضانات (بتشديد الضاد) لهذه الغريزة تنميها أولا ثم تستثمرها كذريعة تقنن ما تريده من ممارسات، وما تمارسه من إجراءات!! وهذا السياق السلطوي عادة ما يلتحف فلسفة الخوف، التي تستلزم بيئة خاملة من الجهل، ومن الظلام، هناك حيث يقبع المخيف المجهول في سواد العدم"
أثناء فترة المعرض ولدت أنثى فأرا جديدا أضيف إلى المحبوسين من أهله وعشيرته، وليضيف معنى الميلاد في قهر موروث، وليكون الرمز أقوى من أي بيان مباشر!!
مفردة السلك الشائك إستخدمها "محمد عبد الرؤوف" بشكل مختلف حين رسمها مكبرة وممتدة، وركز في لوحتين من مجموعته على تلك العقدة التي تبرز منها أطرافا مدببة حادة مشرعة تهدد.... لتلهم وتستحضر المشاعر المتعلقة بالقهر، والحبس، والخوف، والألام!!
المواجهة بين الجياد الشابة، والجنود المسلحين بالمدافع طرحها ببساطة مميزة الفنان "محمد سيد عبود" في ثلاث لوحات متجاورات تمثل الأولى الصراع، وتوحي الثانية بمتاهة، وترمز الثالثة للسفر، ربما كتجريب لمنطق مختلف في التعامل مع نفس الصراع!!
رسمت "أسماء جنيدي" لوحة ضخمة تصور في أعلاها صورا لجثث متجاورة في موت يبدو جماعيا، والصور تتلاشى وكأنها تتبخر في الهواء بتقنية التلاشي الأليكتروني حيث تتأكل وتنطمس المربعات الصغيرة التي تشكل كل صورة، وفي أسفل الصورة تمتد أسلاك كهرباء الضغط العالي بين أبراجها، وكأنها ترمز إلى نسيان من رحلوا لصالح وعود التنمية، أو لعلها تذكرنا بتضحياتهم!!
بينما يلتقط "حازم رشاد" بريق نظرة الشاب الملقى على الأرض، وكأنه الشهيد الذي تومض عيناه بأسئلة كثيرة، قبل أن يزفوه إلى مثواه الأخير!!
"ياسمين المليجي" قدمت عملا مركبا حصل على جائزة من جوائز الصالون عبرت فيه عن نقدها الشديد لحالة مستشفى الحميات بالعباسية، وهي مستشفى حكومي متخصص يخدم الجمهور الذي يحتاجه، وحين اضطرتها ظروفها للجوء إلى المستشفى هالها وضعه المزري، ومن تداعيات هذا الموقف عملت بدأب على تشكيلات زجاجية تشبه الحقن، وأنابيب الإختبار، وحاويات العينات مستخدمة ألوانا متميزة تشبه الطبيعية، كما وضعت منضدة عليها جهاز ضغط وشاشة لرسم القلب.... معطلة... لا تعمل!! وعلى السرير منزوع الأغطية يرقد تمثال لقط أسود يبدو أنه تسلل ليستريح فوق أسرة المرضى!!
وستدهشك حين تنتهي من عمل ياسمين وتتوجه إلى باب الصعود نحو قاعة علوية أخرى للعرض... تلك اللوحة المعلقة فوق الباب والتي تحمل رسما يصور الراحلة ليلى مراد في صورتها المعروفة، وضحكتها الأيقونية، ولكن بألوان شديدة القتامة أضفت على وجهها مسحة حزن أو خيبة أمل أو فزع!!
في المقال القادم نكمل.... بإذن الله.
الأحد, 04 يناير 2015
واقرأ أيضاً:
ألغام معركة الأمل / أحاديث الإسكندرية / متسع جديد للدهشة / زينب مهدي: صرخة وفرصة