لا أكاد أصدق أن الذكرى الرابعة تظللنا، ولا أدري ما أكتب وما أحجب، ولا أدري هل العقول ستفهم، وهل الأفئدة ستدرك اليوم ما فاتها فهمه وإدراكه طوال سنوات أربع، لكن لا أملك غير تكرار المحاولة!!
25 يناير ليس فعلا ماضيا ينتمي للماضي بقدر ما يبدو لي منتميا لمستقبل لم يدركه أغلبنا حتى الأن، ولم يعد هذا يدهشني، وصار يؤلمني بقدر أقل، وأصبحت أتعامل معه بتسامح أكبر، ورحمة أعمق لنفسي ولغيري موقنا أن استعجال الأمور قبل أوانها لا يأت بشئ غير الحسرة ووجع الرأس!
25 يناير شفرة ما تزال مغلقة متحدية مستعصية على أصحاب العقول المنغلقة، وقد تكشف لي أن غلق العقول هو أكثر ما نحمي به أنفسنا، بل ذواتنا الهشة المنتفخة الخاوية، وهو أوسع غطاء نحجب به ضعفنا عن التعرض للجديد، وبه نؤثر السلامة، أو هكذا نتوهم، والسلامة عندنا لا يعدلها شئ!!
25 يناير هي نعمة وهبة من الله ساقها إلينا بفضله وبتضحيات شهداء أبرار هم أفضل منا جميعا إذ صعدوا وهم يغرسون ما لم يروا له ثمرا، ولم يتبينوا له أفقا غير أنهم خرجوا بأموالهم وأنفسهم ولم يعودوا منها بشئ، وأدعو الله أن يلحقني بهم بعد طول عمر وحسن عمل في ملحمة يتواجه فيها الظلم والحق، وأن يلهمني يومها البصيرة فأكون في جانب الحق، ولو اختلطت الأمور على الغافلين!!
25 يناير لم تكن حلقة في سلسلة قديمة لثورات كلاسيكية حتى ينطبق عليها مقياس ما يكتبه السادة المحللون القائلون بفشلها، أو نجاحها، إنما هي حلقة جديدة في سلسلة جديدة ولها معالم جديدة، ومعايير جديدة، وأسئلة جديدة، لمن أراد أن يدرسها، أو يفهمها، فضلا عن أن يستكملها، أو يطورها!!
سمعت مباشرة في أعقابها من باحثين وأكاديمين متخصصين في علوم السياسة والمجتمع أنها تلهم وتعطي البدايات لبناء علوم إنسانية جديدة، ولأن أحدا لم يواصل في هذا ولم ينتج، حصل أننا نراها بالأعين القديمة، والعقول والمناهج القديمة، وسعينا إلى استكمالها بالهياكل القديمة، والتقسيمات القديمة، والنخب القديمة، والصراعات والأمراض القديمة، والتسلطيات القديمة، وكل هذا ركام يعيقنا، لا يعول عليه، يعطلنا ويذهب بنا إلى الجحيم المستعر الجدير بالكسالى والجبناء المتقاعسين عن أن يأخذوا ما أتاهم الله بقوة، ويذكروا ما فيه!!
25 يناير هي ما فتحنا على الدنيا، وكنا في قوقعة تخلف مزري، ومن وقت أن وجدت نفسي تتصارعني أمواج ورياح ما يجري في العالم من أسئلة ونقاشات حول قضايا وإشكالات لا أجد لها أي أثر محلي غير في دوائر محدودة ضيقة مغلقة على نخب منتشية بفرادتها وبأنها جزء من حوارات البشر في كوكبنا، بينما الجموع تغط في سبات ثقيل وتتداول تفاهات تحسبها فكرا وأفكارا، وتتصارع حول هشيم تحسبه قضايا الحياة!!
25 يناير فجرت الجمود ووضعتنا في قلب الأسئلة، وفي مهب الرياح والعواصف، وستفشل محاولات إعادتنا للطفولة والقواقع ونقاشات التفاهة وحكايات البلهاء وعفن المزابل الذي كنا نسميه استقرارا، أو هكذا أتمنى!!
25 يناير هي أملنا الوحيد في مكان محترم تحت الشمس، وهي طريقنا إلى أن يكون لنا مبرر وجود، أو سبب إضافة، أو مدخل تواصل، أو خطة أمل.. في عالم احتفى بها، وسيحتفي بنا إن فهمناها، وطورنا ما جاءتنا به!!
25 يناير هي لحظة تجلي أجمل ما فينا ثم انتصاره السريع المبدئي على أسوأ ما فينا، وكله موثق لنرى الأجمل والأسوأ طوال سنوات أربع، لمن أراد أن يتذكر، أو يتعلم!!
25 يناير لم تكن سعيا لتغيير سلطة بسلطة حتى يقال أنها فشلت لأنها لم تحكم، ولم تكن سعيا لتهذيب سلوك دولة طغت وظلمت حتى تصير أعدل وأرحم، بل كانت خروجا على المألوف، وتمردا على السائد محليا ودوليا، ولا يضيرها إن لم يفهم البقر، ولا يضيرها أن يراها بعض من خرجوا إلى الشوارع فيها على مقاس عقولهم وأحلامهم.. المتواضعة!!
25 يناير كانت حلما تجسد، ويبدو أننا لا نحسن التعامل مع أحلامنا، ولا إدارة العلاقة بينها وبين الواقع!!
مستمرة هي لأن دروسها لم تنته، وما زالت الدماء تنزف، والمحاولات تتوالى لنفهم ونتدارك ونجرب ونصحح أو نستسهل فنقع ثم نتألم ونتعلم.
أربع سنوات مرت على أجمل ما رأت العيون.. اللهم لك وحدك الفضل والمنة، وأشهد أن آياتك ما تزال تتنزل.. وما زال يؤمن بها من يؤمن، ويكفر بها من يكفر.. وتلك مشيئتك، ولا اعتراض!!
السبت, 24 يناير 2015
واقرأ أيضاً:
متسع جديد للدهشة / زينب مهدي: صرخة وفرصة / الحاضر والمستقبل بعيون الفن / هوامش على مقتلة باريس