مقدمة
يصادف هذا الأسبوع ذكرى ميلاد موقع مجانين الذي يعني بالصحة النفسية أو العقلية في العالم العربي. قد يعترض البعض على اسم الموقع وعلى استشاراته وربما على آرائه في مختلف الحقول ومشاركتي المتواضعة في الكتابة على صفحات الموقع بين الحين والآخر تدفعني اليوم ليس للدفاع عنه وإنما لتوضيح رسالته كما استوعبتها عبر السنين الأربعة الماضية.
الاعتراض على اسم الموقع يتكرر بصورة منتظمة والأستاذ وائل أبو هندي يرد على هذا الانتقاد ولا أظنه فكر يوماً ما بتغيير الاسم عبر السنوات الاثني عشر الماضية. قد يفكر البعض ويقول بأن الاسم يجذب الانتباه ولكن هناك فريقاً آخر يتصور بأن اسم الموقع يشارك في تهميش الصحة النفسية وتضاعف وصمة المرض العقلي في العالم العربي.
ولكن الحقيقة هي أن اختيار هذا الاسم هو واحد من عدة أسلحة يجب استعمالها للقضاء على التمييز الأعمى ضد المصابين بالأمراض النفسية في العالم العربي. كلمة مجنون كثيرة الاستعمال بين عامة الناس ونتيجتها التحيز ضد المصاب بالاضطراب النفسي مهما كان ومن جراء هذا التحيز لا يوجد إلا خيار واحد للإنسان وهو إخفاء مرضه واستمراره في معاناة لا نهاية لها وتجنب البحث عن العلاج. جميع الأبحاث تشير إلى أن الاضطرابات النفسية أكثر فتكاً بالإنسان وفي عمر مبكر مقارنة بالأمراض القلبية والخبيثة.
قسم استشارات الموقع هو أكثر الحقول نشاطاً والكثير منها غايتها هو تحفيز المستشير وإرشاده إلى وسائل العلاج. هذا الهدف بحد ذاته أفضل بكثير من اعتقاد الكثير بأن الاضطرابات النفسية لا فائدة من علاجها أو أن جميع المرضى يعانون من وهام مزمن والبوح بأعراض اضطراب نفسي لا يؤدي إلا إلى تجنب الناس وعدم القدرة على العمل.
يمكن القول بأن القضاء على وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية واحد من أهم أهداف المجتمعات البشرية في يومنا هذا والموقع يشارك بهذا الهدف السامي من خلال حقوله المختلفة وتوضيح انتشار الاضطرابات النفسية المختلفة في المجتمع. واحد من كل خمسة مواطنين في المجتمع يعانون من اضطرابات نفسية مختلفة والربع من هؤلاء يعانون من اضطرابات نفسية جسيمة مثل الفصام والثناقطبي. ولكن الحقيقة المرة أيضا بأن بقية الثلاثة أرباع منهم والذين نصف اضطراباتهم بالطفيفة مثل القلق أو الاكتئاب الطفيف أو الحصار المعرفي (الوسواس القهري)، لا تقل معاناتهم وتدهور طاقاتهم البشرية عن المصابين باضطرابات جسدية بحتة ولكنهم يختلفون عنهم بأنهم نصيبهم من تلقي العلاج والمساعدة أقل بكثير.
جميع الإحصائيات تشير بأن 90% من المصابين باضطرابات نفسية غير الفصام والثناقطبي يتلقون العلاج من مصادر غير مختصة بالصحة النفسية وفي عالمنا العربي يتم اصطيادهم أحياناً من قبل الدجالين والمشعوذين. وهذا يقودنا إلى مناقشة جانب آخر من رسالة الموقع والذي أسميه ديدان الجهل.
ديدان الجهل
في عام 2004 تم نشر دراسة اقتصادية استنجت بأن إعطاء الأطفال الأفارقة أقراص مضادة للديدان يؤدي إلى تحسن حضورهم في المدارس. لم تتحدث الدراسة عن تحسن التعليم ولا عن مؤشرات الصحة النفسية والجسدية وإنما فقط أشارت إلى حضورهم في المدارس. هذه الدراسة كان لها نصيبها من الشهرة في العالم العلمي والاقتصادي وأدت بدورها إلى استلام وتناول الملايين من الأطفال هذه الأقراص التي تؤدي إلى القضاء على الديدان المستوطنة أجسادهم.
أما الديدان المستوطنة في عالمنا العربي فهي ديدان الجهل وهذا الوباء لا علاقة له بالمستوى الاقتصادي للقطر العربي وتراه ينتشر شرقا وغربا وشمالا وجنوباً من المحيط إلى الخليج. مع انتشار عالم الفضاء وعدم توفر الخدمات الصحية المقبولة كحد أدنى لا يجد المواطن العربي سوى الإنترنت وتوجيه الأسئلة إلى كوكل للبحث عن جواب. ولكن الغالبية لا يعرف كيف يسأل وإن كنت لا تجيد السؤال فمن الصعب استلام الجواب الصحيح.
التوعية والتوجيه والتخلص من الجهل هو رسالة الموقع السامية. ينشر الموقع بصورة منتظمة الكثير من المقالات في مختلف الحقول ومن مختلف الاتجاهات التي تتطرق إلى الديدان المستوطنة للعقل العربي بسبب الجهل وعدم رعاية المؤسسات المختلفة بالمواطن والنهضة به نحو التطور. لا يوجد خط ديني أو علماني أو سياسي للموقع ولكنه يعبر عن جميع الآراء بصورة خالية من التحيز واضعاً نصب عينيه مصلحة المواطن وصحته النفسية واحتياجاته الاجتماعية.
من غريب الصدف أن في الأسبوع الذي يحتفل الموقع بميلاده نرى أن كوكل رفيق الإنسان في عالم الفضاء قرر الآن تغيير اسمه واختيار اسم الأبجدية Alphabet . السبب في ذلك هو كما تقول الشركة العملاقة بأن اللغة والأبجدية هي أعظم ما يمتلكه الإنسان وأرقي إنجاز له. حقيقة قلما ينتبه إليها المواطن العربي ولا تنتبه إليها المؤسسات المسؤولة عن رعايته وإنما تركته سجيناً في زنزانة الجهل وأصدرت عليه الحكم المؤبد. ولكن ليست هناك أقفالٌ لا يقوى الإنسان على كسرها.
وأخيراً ألف تحية للزميل الأستاذ وائل أبو هندي وعلى جهوده في خروج المواطن العربي من زنزانة الجهل.
واقرأ أيضًا:
يوميات مواطنة ومختل عقليا في الشارع / التعامل مع المتضررين من الراشدين والمراهقين2 / عيد ميلاد مجانين 12 فاق العشر بسنتين!