العرب كإرهابيين: قوة الصور الإعلامية في ألعاب الفيديو الإلكترونية
يكتسب العديد من المواطنين الأمريكان معارفهم ومعتقداتهم عن العرب والمسلمين عبر وسائل الإعلام، ومن المؤسف أن نجد صورة العرب عبر هذه الوسائل لا يتم تصويرها بشكل إيجابي بل وفق أفكار نمطية سلبية، إذ عندما نحلل محتويات وسائل الإعلام نجد أن الصور النمطية السلبية عن الشخصية العربية يفوق ما هو متناول من صور إيجابية عبر وسائل الإعلام المختلفة مثل الصحف والتلفزيون والسينما وأدب الأطفال والرسوم المتحركة على شبكة الإنترنت والألعاب المستندة على برامج الفلاش، لذا غالبا ما تُربط الصورة العربية والإسلامية في ضوء هذه الوسائل بالعنف والإرهاب، مما يؤدي إلى تعزيز هذه الصور النمطية بأن العرب والمسلمين إرهابيون (Nacos& Torres-Reyna, 2007; Nisbet, Ostman, & Shanahan, 2009; Shaheen, 2009; Schmidt, 2006; Van Buren, 2006).
وبهذا الصدد يمكن القول وفق تعبير ماكلوم أكس Malcom X بأن وسائل الإعلام الكيان الأقوى تأثيرا في عقول الناس على وجه الأرض، لأن لدى الإعلام القدرة على جعل المذنبين أبرياء وتقديم المذنبين كأبرياء، وهذه هي القوة التي تسيطر على عقول الجماهير.
وتعد ألعاب الفديو الإلكترونية أحد هذه القوى المؤثرة في عقول الشباب، ووسيلة ترفيهية تنشر الصور النمطية السلبية لديهم، وقد وجدنا في الكثير من الألعاب مثل هذه الصور التي تجسد الشخصيات والشعوب العربية كإرهابيين (e.g., Dill et al., 2005) مثل لعبة نداء الواجب4، والحروب الحديثة Modern Warfare، والجيش الأميركي America’s Army، وصراع عاصفة الصحراء الجزء الثاني Conflict Desert Storm II، وسقوط الصقر الأسود Black Hawk Down، ولعبة كوما / الحرب Kuma/War، إذ تتضمن هذه الألعاب مهام قتالية وحربية تحدث في مناطق محددة أو مجهولة في الشرق الأوسط، وبما أن ألعاب الفيديو وسيلة إعلامية تستطيع أن تطور وتعزز وتنشط العلاقة بين الأفراد (اللاعبين) والمفاهيم والاتجاهات التي تحملها اللعبة فإنها وفقا لنظريات التعلم الاجتماعي المعرفي ترسخ الصورة العدوانية لدى اللاعبين عن العرب، وكذلك تشكل نماذج من السلوك العدواني لديهم بشكل عام (Anderson & Bushman, 2002) .
لذا يتشكل في البناء المعرفي لدى الفرد عند ممارسة هذه الألعاب الإلكترونية مفاهيم العدوانية التي تحملها اللعبة عن العرب وتتنشط لديهم بشكل آني، مما يؤدي إلى تكوين أبنية معرفية من السهل الوصول إليها واستدعائها فيما بعد عند مشاهدة شخص عربي، لتصبح دليلا معرفيا ومستقبليا يفسر في ضوئه الأفراد (اللاعبين) الشعوب العربية والمسلمة بأنها إرهابية، والتصرف وفقا لذلك الدليل. على سبيل المثال، أن اللعبة التي تخلق معتقدات واتجاهات وتصورات وخبرات حول العرب بوصفهم أشخاصا خطرين وعدوانيين وعنيفين عبر الأحداث التي يمر بها الفرد أثناء ممارسة اللعبة فإنها تؤثر على استجاباته الانفعالية تجاه العرب وتخلق لديه صورة بأن العرب إرهاببين، ليؤثر ذلك على سلوكه، ورؤيته بشأن كيفية التفاعل مع العرب في المواقف الاجتماعية.
إن تأثير الألعاب الإلكترونية في خلق الصورة النمطية عن العرب بوصفهم إرهابيين، تم الكشف عنه عبر دراستين تم نشرهما في مجلة علم نفس العنف Psychology of Violence، وكانت الدراسة الأولى للدكتور كريج أندرسون Craig Anderson، في حين تعود الدراسة الثانية إلى ما قمت به من تجربة، اختبرت فيها تأثيرات الرسوم النمطية للعرب في ألعاب الفيديو على اتجاهات وتصورات اللاعبين.
- التجربة الأولى:
يقوم المشاركون في هذه التجربة بممارسة لعبة واحدة يتم اختيارها بصورة عشوائية من بين ثلاثة ألعاب، ولمدة زمنية تبلغ30 دقيقة، وهذه الألعاب هي:
1. لعبة الضربات الموجهة ضد الإرهابيين العرب.
2. لعبة الضربات الموجهة ضد الإرهابيين الروس.
3. لعبة مغامرات الغولف (اولترا ميني).
ويمارس المشاركون في أول لعبتين مهمة قتالية ضد مجموعة من الإرهابيين، وذلك بهدف تدميرهم والمحاولة في إعداد مجموعة من القنابل المتفجرة، ويخوض اللاعبون في اللعبة الأولى مهمة قتالية في مناطق الشرق الأوسط، إذ يواجهون فيها أعداء يحملون الخصائص النمطية العربية (ذو أشكال وملابس عربية) في حين يخوض مجموعة من اللاعبين في اللعبة الثانية مهمة قتالية في مناطق روسية (على سبيل المثال، مناطق ثلجية) تكون مهمتهم قتل الإرهابيين الذين يحملون الخصائص النمطية الروسية، أما في اللعبة الثالثة يمارس المشاركون لعبة الغولف، التي تتمثل بقذف كرة بواسطة مضرب الغولف في حفرة ما بشكل واضح.
وبعد اللعب، يتم تُقييم اتجاهات المشاركين تجاه العرب بواسطة اختبارات ضمنية وصريحة، وأظهرت نتائج التجربة أن المشاركين الذين مارسوا اللعبة القتالية ضد أهداف عربية في مناطق الشرق الأوسط كان لديهم اتجاهات ضمنية وصريحة عدائية نحو العرب أكثر من اللاعبين الذين مارسوا لعبة الغولف؛ ولكن من المثير للاهتمام في هذه التجربة، إن المشاركين الذين مارسوا اللعبة القتالية في المناطق الروسية أظهروا اتجاهات أكثر عدائية ضد العرب من المشاركين في لعبة الغولف، ولكن ليس بتلك الدرجة المرتفعة التي أظهرها المشاركون الذين مارسوا مهام قتالية ضد أهداف عربية. بعبارة أخرى، إن ممارسة ألعاب الفيديو التي تتعلق بالإرهاب تزيد من الاتجاهات السلبية نحو العرب حتى عندما لا تكون الأهداف التي يجب تدميرها في اللعبة عربية أو تجري ضمن مناطق الشرق الأوسط.
كذلك قام الباحث في هذه التجربة الطلب من المشاركين الذين مارسوا (لعبة تستهدف إرهابيين عرب، لعبة تستهدف إرهابيين روس، لعبة الغولف) رسم نماذج من الذكور والإناث العرب والقوقاز باستعمال 24 قلما ملونا بعد ممارسة الألعاب الإلكترونية السابقة، ومن ثم القيام بالخطوات الآتية بعد رسم المشاركين الأشكال المطلوبة منهم:
أ. ترميز (تشفر) الرسوم من قبل اثنين من المحكمين يقيمان الشخصيات المرسومة وفق ثلاثة بدائل (إيجابية، سلبية، محايدة).
ب. تقييم الشخصيات المرسومة فيما إذا كانت تحمل أسلحة أو بدون أسلحة.
أظهرت نتائج التجربة أن المشاركين الذين مارسوا لعبة قتالية موجهة نحو أهداف إرهابية عربية قاموا برسم العرب بشكل سلبي، كذلك رسموا العرب وهم يحملون الأسلحة أكثر من المشاركين الذين مارسوا لعبة قتالية موجهة نحو أهداف روسية إرهابية والمشاركين الذين مارسوا لعبة الغولف . إن المثير للاهتمام في هذا الجزء من التجربة أن ألعاب الفديو لم تؤثر في رسم صور الأشكال القوقازية (الروسية) بوصفهم إرهابيين أو يحملون أسلحة في حين تم رسم العرب كإرهابيين ويحملون الأسلحة، وبذلك دعمت هذه النتائج فرضية أن ممارسة الألعاب التي تصور العرب بأنهم إرهابيون سيزيد من احتمال تشكيل الصور النمطية عنهم وتوجيه مشاعر الغضب والرفض اتجاههم.
- التجربة الثانية:
قمنا في هذه التجربة بمضاعفة وتكرار شروط وتأثيرات التجربة السابقة، وذلك في ضوء إضافة شرطين لها (لعبة عربية غير عنيفة non-violent Arab game، ولعبة إرهابية غير عربية وغير عنيفة violent non-Arab non- terrorist game) ، وأظهرت النتائج أن الاتجاهات العدائية نحو العرب لم تكن ببساطة نتيجة العنف الذي يمارسه المشارك في الألعاب المصحوب بالعنف، بل إنها ظهرت كرد فعل نتيجة ممارسة المشاركين في المهمات القتالية ضد الأهداف العربية الإرهابية، مما أدى ذلك إلى تشكيل الاتجاهات المعادية نحو العرب.
وبالنهاية تبدو النتائج التي توصلنا إليها مهمة، لأنها تركز على:
- عرض كيف أن المشاركين يكتسبون في فترة وجيزة الخبرات الموجودة في ألعاب الفديو الإليكترونية.
- خطورة كمية الوقت الذي يقضيه الأطفال والمراهقين، والبالغين في ممارسة ألعاب الفيديو.
- كمية هذه الألعاب التي تصور مختلف الجماعات بطرائق نمطية.
- كيف أن بدائل قليلة تؤثر على معظم الأطفال والمراهقين في التعلم عن الفئات الاجتماعية الأخرى (Ball-Rokeach & DeFleur, 1976) .
- كيف أن كلمة "الإرهاب" أصبحت تتزامن بشكل مباشر مع العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية (Park, Felix, Lee, 2007).
وبالنهاية وجدنا في عملنا أن محتويات ألعاب الفيديو يمكن أن تعبئ الصور المعادية للعرب وتثير التصورات والمواقف والمشاعر السلبية تجاههم.
المراجع:
1- Anderson, C.A., & Bushman, B.J. (2002). Human aggression. Annual Review of Psychology, 53, 27-51.
2- Ball-Rokeach, S.J., & DeFleur, M.L. (1976). A dependency model of mass-media effects.Communication Research, 3, 3-21.
3- Dill, K.E., Gentile, D.A., Richter, W.A., & Dill, J.C. (2005). Violence, sex, race, and age in popular video games: A content analysis. In E. Cole & J. Henderson Daniel (Eds.), Featuring females: Feminist analyses of the media. Washington, DC: American Psychological Association.
4- Nacos, B. L. & Torres-Reyna, O. (2007). Fueling Our Fears: Stereotyping, Media Coverage and Public Opinion of Muslim Americans. Lanham: Rowman & Littlefield Publishers.
5- Nisbet, E.C., Ostman, R., and Shanahan, J. (2008). Public Opinion toward Muslim Americans: Civil Liberties and the Role of Religiosity, Ideology, and Media Use. In A. Sinno’s (ed.) Muslims in Western Politics. (pp. 161-199). Bloomington: Indiana University Press.
6- Park, J., Felix, K., & Lee, G. (2007). Implicit Attitudes Toward Arab-Muslims and the Moderating Effects of Social Information. Basic & Applied Social Psychology, 29,35-45.
7- Schmidt, C.S. (2006): Not Just Disney: Destructive Stereotypes of Arabs in Children’s Literature. In D.A. Zabel’s (ed.) Arabs in the Americans. (pp. 169-182). New York: Peter Lang Publishing.
8- Shaheen, J.G. (2009). Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People. Brooklyn, New York. Olive Branch Press.
9- Van Buren, C. (2006). Critical Analysis of Racist Post 9/11 Web Animations. Journal of Broadcasting & Electronic Media, 50, 537-554.
د. منيبا سليم، أستاذ مشارك في جامعة ميشيغان الأمريكية ترجمة : علي عبد الرحيم صالح،