احتفظ الإسرائيليون بغموض موقفهم من الأزمة السورية لفترة طويلة من الوقت. في وقت مبكر على بداية الأحداث، نصحت الأوساط الاستخبارية في (إسرائيل) الإدارة الأمريكية بعدم التدخل المباشر لإسقاط حكم الرئيس بشار الأسد. ومع انتقال الصراع إلى طور الأزمة الدولية، ودخول لاعبين دوليين وإقليميين على خط الأحداث، فتحت (إسرائيل) خطوط الاتصال مع جماعات سورية مسلحة، ووثّقت تقارير إعلامية مستقلة الصلات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وبعض الفصائل المسلحة، خاصة مقاتلي جماعة "النُصرة" الذين لم يترددوا في إرسال جرحاهم للعلاج في المشافي الإسرائيلية.
وفي ثلاث مناسبات مفصلية، قصفت المقاتلات الإسرائيلية مواقع للجيش السوري، وشحنات صواريخ قيل إنها كانت في طريقها لـ "حزب الله". ونفّذت عمليات اغتيال مبرمجة لقيادات إيرانية وأخرى تابعة لـ "حزب الله" في مناطق قريبة من حدودها مع سوريا.
بالرغم من ذلك كله، ظلَّ موقف (إسرائيل) من الحل في سوريا مثيراً للجدل؛ هل هي مع الإطاحة بالنظام، أم مع استمرار الحرب في سوريا لإنهاكها اقتصادياً وعسكرياً؟ هل تدعم بقاء سوريا موحدة، أم تُفضل تقسيمها إلى دويلات؟
يوم أمـس فقط، لاحت رؤيـة إسـرائيليـة لما يُمكن أن يكون عليـه مسـتقبل سـوريا من وجهـة نظر قادتها؛ إنهم باختصار لا يرون مسـتقبلاً لسـوريا التي عرفناها، ولا يتوقعون عودتها إلى ما كانت عليـه؛ بلداً موحداً جغرافياً وسـكانياً!
على هامـش مشـاركتـه بمؤتمر ميونخ للأمن، صرَّح وزير الدفاع/الحرب الإسـرائيلي (موشـي يعالون): "سـوريا التي عرفناها لن تكون موحدة في المسـتقبل القريب. وفي الوقت نفسـه أعتقد أننا سـنرى جيوباً سـواءً كانت منظمـة أو لا، تُشـكلها مختلف الأطراف التي تعيـش وتُقاتل هناك."
أما مدير عام وزارة المخابرات الإسـرائيليـة (رام بن براك)، فقد صرَّح في المناسـبـة نفسـها أن التقسـيم هو "الحل الممكن الوحيد". وزاد: "أعتقد أنـه في نهايـة الأمر يجب أن تتحول سـوريا إلى أقاليم تحت سـيطرة أي من يكون هناك؛ العلويون في المناطق التي يتواجدون فيها، والسُـنّـة في الأماكن الأخرى."
حتى وقت قريب، كان الانطباع السائد في أوساط المختصين أن (إسرائيل) لا تفضل دولاً في حالة فوضى قرب حدودها، وتخشى من تبعات تقسيم سوريا وقيام كيانات صغيرة معادية لها وبؤر للمقاومة. لكن الشيء المؤكد أن (إسرائيل) وإن كانت قادرة على التأثير في التطورات بالبلدان المحيطة فيها، إلا أنها لا تتحكم بخيوط اللعبة دائماً، لكنها تحتفظ بقدرتها على التكيّف مع المتغيرات، استناداً لتفوقها العسكري ودعم الولايات المتحدة غير المحدود لها. وليس مستبعداً في هكذا حال أن تعمد (إسرائيل) إلى بناء "جيب" صديق في عمق الأراضي السورية المتاخمة لحدودها مع الجولان المحتل، على غرار ما فعلت في لبنان بعد غزو العام 1978، لتأمين مصالحها الحيوية على المدى البعيد، مع احتفاظها بحق شن ضربات جوية في العمق السوري كلما اقتضت الحاجة.
من الآن وصاعداً سـيكون (لإسـرائيل) كلمتها في مسـتقبل سـوريا؛ تريدها مقسـمـة، هذا بات مكشـوفاً ومعلناً. ويتعين على جميع القوى التي ترفع رايات الطائفيـة والمذهبيـة أن تُدرك أنها تقف في خندق (إسـرائيل)، وتنحاز لخياراتها. والرد هو التمسـك بسـوريا موحدة؛ أرضاً وشـعباً مهما غلا الثمن. أما من يُروج لخيار "سـوريا المفيدة"، فحان الوقت ليتأكد بأن سـوريا في هذه الحالـة سـتكون مفيدة (لإسـرائيل) فقط.
الإثنين 15-2-2016
عن الغد الأردنية
واقرأ أيضاً:
سوريا: كيف لعبت موسكو دورها المرسوم!؟/ سوريا: دوافع الغارة الإسرائيلية على جمرايا وأبعادها/ سوريا التحولات الإستراتيجية ومكاسب الثورة/ دروز سوريا وحسابات إسرائيل !