حين التحقت بالجامعة، كنت طالبة ذات شخصية هادئة ووحيدة، كوني لا أجيد تكوين علاقات مع طالبات صفي، وأيضا كنت أعاني من الرهاب الاجتماعي -توتر، ارتباك، خجل- الذي يظهر واضحا في تعاملي مع الآخرين، أيضا لم أكن راضية بتخصصي كوني أجبرت على الالتحاق به؛ لظروف خارجة عن إرادتي مما سبب لي حزنا شديدا وإصرارا للتخلي عن الدراسة، والبقاء في المنزل، لكن.... وبعد مرور أسبوعين من الدراسة، جاءت أستاذة جامعية جديدة "من جمهورية مصر العربية" كانت شرارة نقطة انطلاقتي والتغير في حياتي، وكأن الله قد بعثها لي ليحدث ما حدث لي والذي سأسرده لكم في قصتي.
كانت هذه الأستاذة ذات أسلوب متميز ورائع في التدريس، وكانت مبدعة ومتفانية في تدريسها لنا، وتجيب على استفساراتنا بخصوص المقرر دون ملل، لم أرَ أستاذة رائعة مثلها في مشوار مراحلي الدراسية، كنت حينها طالبة عادية غير مهتمة بالدراسة، بل كل ما أقوم به هو الحضور للمحاضرة وحل الواجبات فقط.... لأنجح!!
وكنت أخجل من المشاركة مع أعضاء وعضوات هيئة التدريس ؛ لانعدام ثقتي بنفسي وارتباكي بدون سبب، كانت هذه الأستاذة تشكر الطالبات اللاتي يشاركن معها وتثني عليهن حتى أنها كانت تسأل عنهن في حال غيابهن، أما أنا فقد كنت أنزعج بشدة حين تثني عليهن، وسبب انزعاجي؛ كونهن استطعن إثبات ذواتهن واجتهادهن أمام هذه الأستاذة المتميزة" وكنت حينها أتمنى أن تحفظ اسمي مثلهن وأتفوق أمامها؛ "لأثبت ذاتي وأظل أروي لأحفادي في المستقبل، أن هناك أستاذة رائعة في التدريس، كنت طالبة متفوقة لديها"...؛
فقررت أن أجتهد وأثابر في محاضراتها، وكانت أول خطوة قمت بها هي، إعداد مجلة تتضمن مقدمة ومقالات وأسئلة تدريبية وحلول أعددتها وكتبتها بنفسي كوني أمتلك موهبة الكتابة، فأصبح هذا المشروع يتضمن أمرين "موهبة إضافة إلى تطبيقات علمية متعلقه بالمادة" وتوجهت إليها وأخبرتها عن فكرة مشروعي وكنت في قمة ارتباكي وتوتري؛ فهي أول عضوة هيئة تدريس أخاطبها، ولأني بطبعي خجولة جدا مع الجميع، ومن شدة ارتباكي كاد التنفس ينقطع ويغمى علي أمامها!! لكن حين رأيت ردة فعلها!! زال عني كل علامات الرهاب الاجتماعي وأخذت تمدحني وتشكرني على مشروعي وسألتني عن مواهبي وقدراتي وعاتبتني كوني لم أتفاعل معها في محاضراتها.
عدت إلى البيت وأنا أحلق عاليا من السعادة، شعرت بإنجاز كبير لأني فعلت شيئا لم يفعلنه الطالبات وهو مشروعي، ومن بعد هذا الموقف أصبحت مجتهدة في مقرر هذه الأستاذة وأشارك معها بكل ثقة، وأصبح لي صديقات وزال عني الخجل والتوتر والارتباك بنسبة 77% ومع مرور الأيام، ورغم أنني كنت أشارك معها، إلا أنني شعرت أنه لا فرق بيني وبين الطالبات المشاركات والمجتهدات، كوني أبحث عن التميز أمامها؛ فقررت أن أحصل على علامة 100 من 100 في هذا المقرر، فشددت الهمة واجتهدت فكانت النتيجة هي حصولي علي علامة 99 في مقرر هذه الأستاذه، وكنت الأولى والوحيدة التي تحصل على هذه الدرجة بين الطالبات؛
كان هذا اليوم بالنسبة لي أجمل أيام حياتي، كأني حصلت على وسام شرف من هذه الأستاذة "المتميزة" وبعد أن نلت درجة الامتياز، كان اليوم هو آخر يوم للدوام الدراسي يعقبه إجازة نصف الترم، توجهت لمكتب عضوات هيئة التدريس لأصافح أستاذاتي وأودعهن قبل الإجازة، فصادفت الأستاذة أمامي، فشكرتني وأثنت علي لنيلي علامة الامتياز في مقررها الدراسي، ثم سألتني عن علاماتي الأخرى "كان مستواي حينها في جميع المقررات شبه منخفض"؛ كوني ركزت اهتمامي بمقرر هذه الأستاذة فقط ولم أبالي بالمقررات الأخرى، وحين أخبرتها، رأيت علامة الصدمة والتعجب على محياها، كونها لم تتوقع أن أكون بهذا المستوى المنخفض؛
فعدت إلى المنزل وأنا محبطة وخجلة منها، كيف لا؟!! وقد تركت أثرا رائعا في نفس هذه الأستاذة كيف لا؟!! وقد استطعت أن أصبح النموذج المثالي للطالبة المتفوقة والمجتهدة التي يستحق الاقتداء بها!! لذا عزمت حينها على رفع مستوى أدائي في جميع المقررات مع بداية الفصل الدراسي القادم، ومما ضاعف من عزيمتي هو علمي أن هذه الأستاذة ستدرسني في مقررات أخرى.
وبعد أن انتهت الإجازة. بدأنا الفصل الدراسي الجديد، وشددت الهمة وأصبحت مهتمة في الأنشطة والواجبات والمشاركات في جميع المقررات، ونيل العلامات الكاملة في الامتحانات الشهرية والنهائية، أصبحت جريئة ومتطلعة للعلم، وأنشأت علاقة صداقة بين غالبية طالبات الفرق الأخرى، ومع مرور الأربع سنوات، وبعد مشوار طويل من الكفاح والمثابرة المتواصلة، نلت شهادة البكالوريوس بل أحب أن أسميها شهادة "بصمة الذات" "بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف" متجاوزة كل العقبات التي كادت أن تعترضني للوصول لدرجة الامتياز كالرهاب الإجتماعي والتدني في المستوى الدراسي وعدم الرغبة في الالتحاق بهذا التخصص، فكانت هذه الأستاذة هي أول من زففت إليها خبر معدلي الجامعي، التي بثت لي الهمة والدافعية، وأمدتني بالثقة وأتاحت لي إثبات ذاتي وتطويرها، كانت نموذجا يستحق الاقتداء بها، والسير على خطاها، نموذج الأستاذة التي أدت رسالة العلم بكل أمانة، إلى جانب شخصيتها المبدعة المتجددة في التدريس، أستاذة امتلكت القدرة لجعل طالباتها مندفعات وشغوفات في كسب العلم والتفوق وحب ذاتهن وكشف قدراتهن.
ملخص قصتي: على الأستاذ/ة أن يغرس في طلبة العلم الشغف والتأثير الملهم ليدفعهم للأمام وليرافقهم مدى الحياة، فلا تعلمون كم نفس ستتغير بفضلكم!!!