احتفالات العالم الإسلامي بحلول عام جديد في عصرنا هذا له ميزته الخاصة التي تذكرك بقتل البشر والتضحية بهم في العصور القديمة. كان القدماء من البشر يقدمون ضحية واحدة فقط على معبد الآلهة ويطلبون الغفران والحماية والوقاية من غضب الإله الجبار.
أما الإرهاب الإسلامي فله رأي آخر. قتل الأبرياء في بغداد يوم الثاني من يناير وفي إسطنبول في اليوم الأول منه بالعشرات يفوق عدد ضحايا الديانات الوثنية قبل آلاف السنين مئات الأضعاف على أقل تقدير ولكن مطالب الإرهاب الإسلامي أكثر غموضا من الوثنيين. كان الوثني يحاول إرضاء الإله ويتقي غضبه أما الإرهابي المتمسك بالعقيدة الإسلامية الإرهابية فمطالبه غير ذلك وينتظر وسام الشهادة والحياة الأبدية والمتعة بلا نهاية في عالم آخر. لكن ما نحصل عليه في الحقيقة هو غضب الباري عز وجل على أمة إسلامية لا تقدم ما يستحق الذكر للبشرية هذه الأيام.
لعبت تركيا دورها في فوضى العالم العربي منذ أكثر من خمسة أعوام وخاصة في العراق وسوريا. ساندت تركيا الإرهاب في العراق ولا تزال تحلم بأن الموصل هي جزء لا يتجزأ من تركيا استنادا إلى دستور الدولة التركية الحديثة. لم تقدم شيئا يستحق الذكر لاستقرار العراق سوى تعزيز مصالحها الاقتصادية مع كردستان العراق وبالتالي تضييق الخناق على أقليتها الكردية. ثم كان هناك دورها في الحرب الأهلية السورية ومدها بالسلاح والمال من العالم العربي والغربي عبر أراضيها لتشجيع التمرد في سوريا وولادة فصائل ثوار من سوريا لا عد لها ولا حصر وتحتاج إلى موسوعة لتمييزها.
ولكن الكثير من الإرهاب الوحشي في العراق وسوريا ومصر وتونس وبقية أنحاء العالم يتم تنفيذه باسم داعش فعليا أو رمزيا بعد المذبحة وتركيا ساهمت في ولادة ومساندة داعش اقتصاديا وعسكريا وبشريا. دخل المتطوع الغربي ذكراً كان أو أنثى عن طريق تركيا سواء إلى الرقة أو الموصل وتم غسيل الأموال العربية وزكاة المسلمين عبر إسطنبول وأنقرة وهذه حقيقة لا ينكرها الغرب بل ولا حتى تركيا نفسها.
يحيط أهل الإسلام والعرب خاصة الرئيس التركي بهالة قدسية ويتحرج العربي المسلم من سماع انتقاد له وقد يصل الأمر به إلى استغفار ربه أن سمع أحداً يفعل ذلك. بدأ أردوغان رحلته السياسية متجها نحو هدف واحد لا غير وهو السلطة المطلقة لسلطان يعيد للأتراك أولا أمجاد الدولة العثمانية والعرب المغفلين للخضوع له والعمل تحت خدمته. استمر في طريقه وتجاوز العقبة بعد الأخرى وتم تنحية المفكرين معه مثل رئيس الوزراء الأسبق وتحولت رئاسة الجمهورية التركية من سلطة رمزية إلى فعلية. بعد شهر عضلاته عالميا مع إسقاط الطائرة الروسية صدمه تأثير منع السواح الروس زيارة بلده ثم جاء انقلاب العام الماضي وفجأة نسمع بأن رجال الشرطة والجيش وأساتذة الجامعة وكل من بنى الدولة التركية الحديثة حفنة من الخونة. ساوم في أمر المهجرين من سوريا لفوائد مادية (وكأنهم عبيد في سوق نخاسة) من الغرب الليبرالي ولكن ذلك لم يمنع تدهور الليرة التركية وبعدها تحالف مع الروس وتحررت حلب وهناك شبه وقف إطلاق النار في سوريا.
ولكن الدرس الذي لم يتعلمه أردوغان وجميع المؤسسات العربية والإسلامية التي ساندت ولا تزال تساند المجموعات الإسلامية الإرهابية أن إطعام وتغذية الإرهاب لا فائدة منه ولا توجد بعد ذلك أرباح إقليمية أو مادية أو فكرية. هذا الدرس لم يتعلمه أيضا رجال الدين من المسلمين والذين فشلوا في قراءة حديثة للدين الإسلامي بعيدا عن السبي والقتل وتكفير الآخرين وتأييد قتل الأبرياء في السر والعلانية.
لا يمكن إسقاط اللوم فقط على رجال السياسة وإنما رجال الدين أيضا وكلاهما لم يحصل على السلطة من الناس ولم يكتب دستوراً جديداً لمواجهة تحديات العصر.
مصادر
Philips D (2016). Research Paper: ISIS-Turkey Links. The Huffington Post. Published 11/09/14 and updated 08/09/16.
واقرأ أيضا:
الفيل العربي الأبيض والمواطن العربي / البحث عن قائد للشعب / عروبة اللامبالاة / العرب على تقاطع الطرق / عالم حر أم سوق حر ؟ / مقالات ومدونات عن تركيا / العرب من 2016 إلى 2017