أمضيت فوق مياه النيل خمسة أيام جميلة رائعة في صيف ألفين وعشرة، وكنت اتأمل مياهه ليلا وصباحا ومساءً، ويحضر معي في مجالسة النيل تأريخ مصر وملوكها وما أسهمت به في مسيرة الحضارة الإنسانية، ووسط هذا الإغراق في التأمل والتفكر، باغتني سؤال عنوانه، لماذا لم يستطع المصريون إنشاء نظام إروائي يمتد في بدن التراب المصري، ولماذا لم يتمكنوا من التحرر من قبضة وادي النيل؟!! ولماذا لم تتحقق آلية أرض النيل، أي أن يسقي النيل جميع أرض مصر؟!!
وهذا الصباح وأنا أقود سيارتي حضر النيل والسؤال في خيالي، ولا أدري ما سبب ذلك، لكني أعرف أنني أخطأت طريقي، وأثناء العودة إلى الطريق الصحيح، حضر النيل، وكأنه يصرخ مناديا: أغيثوني أغيثوني!! أثناء تواجدي في مصر احترت في أمر مياهها، فالماء راقد في مجراه وينسكب إلى حيث لا يُستفاد منه، وعلى مسافات ليست بالبعيدة عن ضفافه تمتد صحراء عطشى لقطرة ماء، وتعجبت كيف لا يمكن إيصال الماء إليها من النيل، فالدنيا تنقل النفط آلاف الأميال عبر الأنابيب، ومياه النيل لا يمكن نقلها بضعة أميال لتسقي الأرض العطشى فتربو وتزهو؟
وهذه الآلية الاقترابية تنطبق على بحيرة ناصر التي هي أكبر بحيرة اصطناعية، لكنها مجرد بحيرة بلا استثمارات اقتصادية وإروائية ذات قيمة اقتصادية وحياتية متميزة!! تأملت بحيرة ناصر، وما وجدت فيها سوى بعص الترع قد شقت لتتيه في الصحراء وحسب، ولا أعرف ما هي الاستثمارات فيها اليوم عدا الكهرباء، ولو تحولت إلى بحيرة لتربية الأسماك لأطعمت جميع العرب!!
تحدثت في الأمر ذات يوم مع صديقي الصيني، فقال: في الصين قد حولنا مجرى نهر اليانغ ليكون بالاتجاه المعاكس، بل ونأخذه لأي اتجاه نريد نحو المدن التي هي بحاجة لماء، وضحك صديقي وأضاف، لو أن النيل في الصين لصنعنا منه شبكة إرواء كالشرايين والأوردة التي تسقي الأبدان!! وذكرني صديقي بالنظام الإروائي في العراق أيام الدولة العباسية، حيث كانت الأرض تسقى بنظام إروائي كامل ينطلق من النهرين.
وعدت إلى النيل وما تقوم به الصين في بعض الدول الأفريقية حيث تستثمر مياهه في زراعة المحاصيل وخصوصا الأرز، ولسوف يكون للاستثمارت الصينية لمياه النيل، تأثيرا أكبر من سد النهضة.
فهل يا ترى سيسقي النيل جميع أرض مصر، أم أنه سيبقى أسير واديه مثلما كان منذ آلاف السنين؟
سؤال أطرحه على الأشقاء المصريين، في زمن ربما سيعز فيه الماء، ونحن نهدره ولا نستثمر بنعمته الجمّاء؟!!
واقرأ أيضاً:
قرن الكذب الفتاك!!/ دولة الشخص وشخص الدولة!!/ انحدار الديمقراطية إلى حضيض الديكتاتورية!!