النمل واليقظة الذهنية بين الصحة العقلية والقرآن الكريم
"حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"
مقدمة:
السبب وراء كتابة هذا المقال هو استشارة وصلتني من الموقع يوم أمس. بعث رجل دخل العقد الخامس من العمر رسالة يتحدى فيها الموقع عن النمل وأشار إلى عدم وجود قيمة لذكر كائنات حية يتم سحقها بالإقدام.
لا يصعب الاستنتاج بأن هذه الرسالة الاستفزازية لا علاقة لها بالطب النفسي ولا يوجد مبرر لبعث مثل هذا الاستفسار إلى الموقع، وكان الأحرى به تحدي رجال الدين والآخرين في ندوة ثقافية أو دينية.
لم تنتهي الرسالة الاستفزازية هنا بل تجاوزتها إلى الاستفزاز الشائع حول ذكر حور العين، ولماذا اختص القرآن الكريم نعيم الرجال دون النساء في ذلك. لهذا الموضوع مقال آخر.
لكي تجيب على الرسالة فعليك التركيز على الاختصاص الذي تمارسه. يجيب الكثير على مثل هذه الاستفزازات في الحديث عن إنجازات علمية تم اكتشافها في العصر الحديث ومحاولة ربطها بكلمات الآية القرآنية دون التركيز على الجانب العقلي أو الذهني أو النفسي للآيات الكريمة.
النمل:
لم يتم ذكر النمل في القرآن الكريم فحسب وإنما في التوراة أيضاً. الجميع على معرفة بعجيب سلوك النمل فهناك علم خاص بها يعرف بـ Myrmecology. الصراحة هذه الكائنات الحية مصيرها الفناء بسبب سلوك الإنسان فلا يشاهد أحد مستعمرة نمل داخل منزله ويعمل على رعايتها وإنما يسحقها بقدمه داخل البيت وخارجه بدون تردد ولا شعور بالذنب.
ينتشر النمل في جميع أنحاء العالم من الأرض اليابسة في وديان إفريقيا إلى غابات أمريكا الجنوبية. هناك أكثر من عشرة آلاف صنف منها، وجميعها تشترك بميزة واحدة وهي العمل والاجتهاد لبناء موطنها الصغير. لا تحتاج إلى مرشد ولا رب عائلة ولا حاكم يدفعها للعمل. لكن لا شك بأن هناك تواصلا معرفيا من نوع ما بين أفراد المجموعة وإلا كيف يمكن جمع الرمل وبناء هذه الطرق الصغيرة والأنفاق. وهنا يأتي الحديث عن الإنسان الذي يملك حاسة البصر ولكنه حين يستعملها فعليه أن ينظر إلى الأسفل وهنا إلى ما هو دونه وهو النمل.
التحليل:
تطرقنا في موضوع سابق إلى معادلات المعرفة الثلاث للبشرية وهي:
الأولى: المعرفة = مدونات البشرية × المنطق. مدونات البشرية هي كتب الحضارات والصحف الدينية.
الثانية: المعرفة: المعلومات × الرياضيات. هذا هو العلم الحديث.
الثالثة: المعرفة: تجارب الإنسان × الحساسية. حساسية الإنسان تعني انتباه الإنسان إلى ثلاثة أبعاد تتحكم به من خلال التجربة وهي:
• العاطفة
• الإحساس
• الفكرة
وليس هناك ما يجمع بين معادلات المعرفة الثلاثة مثل النمل.
المنطق الذي يجب أن يبحث عنه الإنسان في ذكر النمل في كتاب مقدس يثير الاستغراب وخاصة بأن البشر تواجه صعوبة في قبول مثل هذا الأمر الآن فكيف الحال قبل أكثر من ألف عام في بيئة قاسية يتنافس فيها الإنسان مع الحيوان من أجل البقاء. ثم يتطرق القرآن الكريم بعدها إلى سليمان وجنوده يجتازون الوادي الذي تعيش فيه وطلبت النملة من رفاقها دخول المنازل حتى لا تدوسهم الأقدام، وتسأل كيف يتم استيعاب مثل هذا الكلام؟ استيعاب هذا الكلام ليس في الحديث عن الإعجاز وحسب وإنما تذكير البشر إلى قابلية النملة على التواصل مع بقية النمل، وهنا تتأمل كم من البشر يتواصل مع غيره؟
المعادلة الثانية عن علوم النمل هي لمن يدرس سلوك النمل من خلال العلم ولا يخفى عليه قدرة هذه الكائنات الحية على التواصل بعضها مع البعض الآخر.
وذلك يقودنا نحو معرفة العصر الحديث الذي نعيش فيه. التجربة هي أن تنظر إلى الأسفل وإلى حتى من هو دونك في الخليقة كما تتصور وتتوقف وتتأمل:
١- الإحساس الذي تشعر به حين ترى النمل الذي يزعجك.
٢- وبدلا من سحقه والتخلص منه تراقب هذا الإحساس وتنتبه إلى العاطفة التي ترافقه.
٣- بعد ذلك عن الفكرة التي تراودك عن النمل.
لو تأملت في المعادلات الثلاث وبالتحديد الأخيرة سترى أن آية واحدة في القرآن الكريم تدفعك إلى الانتباه إلى وممارسة اليقظة الواعية Mindfulness في تعاملك مع البيئة التي تعيش فيها ومع من حولك من البشر.
الاستنتاج :
• تقبل بوجود واحترام من تتصور هو دونك في الشأن والثروة والمقدرة.
• تتوقف عن إصدار الأحكام على الآخرين وبالذات من هو دونك.
• تتنبه إلى الإحساس والعاطفة والفكرة التي تشعر فيها عبر تجربة ما، وتحاول ترويضها واستبدالها بأخرى تشعر معها بالارتياح والسلام.
• تعامل بسلام مع الأفكار والأحاسيس والعواطف وتقبل غيرك دون التعالي عليهم.
العالم الغربي الليبرالي لا يتوقف عن تمجيد فكرة اليقظة الذهنية الواعية وشكر الفكر البوذي، ولكن هل تجد ما هو أكثر وضوحاً لها لو تأملت في آية واحدة عن نملة.
12/4/2018
ويتبع >>>>: النمل واليقظة الذهنية مشاركة
واقرأ أيضًا:
هل مضادات الاكتئاب عقاقير فعالة؟ / الانتحار في اليافعين والحوت الأزرق