وصلتني رسالتان تمثلان نمطية التفكير السائدة في واقعنا والمساهمة في صناعة وتثمير الويلات والتداعيات، أولهما تتحدث عن أن الدول الأوربية وفي بداية القرن العشرين اجتمع قادتها بقيادة بريطانيا العظمى آنذاك وهدف الاجتماع الإجابة على سؤال كيف نبقى في القمة والقوة، وكان الجواب أن نهيمن على المنطقة العربية لما فيها من ثروات وخصائص ستراتيجية وبواسطتها نتحكم بالعالم.
وتمخض الاجتماع عن خطة كان أولها تحرير المنطقة من قبضة الدولة العثمانية، وزرع جسم غريب فيها، وتمزيقها وإشاعة الاحتراب بين أهلها، وتسخير الدين لتنازعاتها وإلهائها ببعضها، وحكمها بالنيابة بواسطة حكام مأجورين أو ينفذون الأجندات بحذافيرها.
وثانيهما أن فلان الفلاني يريد أخذ النفط وأنه يعمل بجد وعزيمة وإصرار على مصادرته من أهله، وهو يقولها بصراحة أن الدولة الفلانية عليها أن تدفع الفاتورة، وأنها في الحقيقة ليست دولة وبلا سيادة ومرهونة بإرادة جارتها وأهلها يفترس بعضهم بعضا كالوحوش، ومن الواجب أخذ نفطها منها.
وأصحاب الرسالتين يدعون للتظلم واللطم والتسليم بالأمر الواقع وتأكيد الانكسارية والشعور بالامتهان. وهذا الأسلوب في التفكير هو السائد في الواقع العربي منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، وما أسهل الميل للتغني بالأعذار وتخليقها، ولهذا ترانا قد درجنا على إسطوانة، لماذا العرب قد تخلفوا فيأتيك الجواب الفوري بسبب الدولة العثمانية وسياساتها الغاشمة، ولماذا بقي العرب يراوحون في مكانهم، سيكون الجواب بسبب الاستعمار الظالم.
ولماذا تقدمت الدول التي كانت بعد العرب وتمزق العرب، قالوا إنها الصهيونية والإمبريالية. فلكل سؤال جواب جاهز عاجز!!
وعندما تسأل عن الفعل والعمل، تواجه بالصمت والوجوه الواجمة !!
وعندما تحث على الجد والاجتهاد تتهم بالطوبابية والخيالية والفنتازيا!!
وحالما تتملكك الحيرة والعجب، يأتيك القول بأنه قدر مكتوب، وقد قال بذلك فلان وفلان، ويأتون إليك بأحاديث مختلقة وكلمات منسوبة لرموز تأريخية أو دينية!!
وتزداد حيرة ودهشة، وتريد حلا فيكون الرد، هذه دنيا فانية علينا أن نشقى فيها ونتعذب لكي نفوز بنعيم الآخرة!!
وما أن تذكر بالدين، حتى تهب بوجهك عاصفة إنفعالية هوجاء تلقي بك في وديان الكفر والارتداد عن سواء السبيل!!
وهذه النمطية الإدراكية والتفاعلية هي التي دمرت الوجود العربي وقيّدت الأجيال بأصفاد الجمود والتعفن والمراوحة في مستنقعات آسنة تتكاثر فيها عظايا الضلال والبهتان. فالحياة تنازع وتصارع ويفوز فيها القوي الأمين على مصالحه وأهدافه، وينهزم فيها الضعيف الخائن لمصلحته والتائه بلا أهداف. فالعرب أعداء أنفسهم ومصالحهم وأوطانهم وشعوبهم، ويلقون باللائمة على الآخرين الذين يتربصون الفرص فينتهزونها وينفذوا من خلالها، وينقضون بأنيابهم ومخالبهم على فرائسهم العربية الوديعة التي تحلم بالآخرة وتنكر الدنيا وما فيها.
إن الحياة غاب شرس بحاجة إلى تحدي وكفاح وتماسك واتحاد وتعاضد وإيمان مشترك بالهدف والغاية المستقبلية الحاضرة في الوعي الجمعي، وهذا ما ينقص العرب ويمنعهم من التخلق والتحقق المعاصر، فبرغم توفر عناصر القوة فيهم، لكنهم يحولونها إلى مصدر ضعف وهوان وهذا ديدنهم، والأمثلة عديدة ولا تحصى، وفي القرن الحالي لدينا الكثير منها، ابتداءً بالعراق وانتهاءً بما يحصل في منطقة الخليج، كما أن تحويل نعمة النفط إلى نقمة وسلاح ضد العرب لأفصح دليل على إرادة العرب المضادة لذاتهم وموضوعهم.
فلماذا نلوم الآخرين ونتهمهم، وهم الغيارى على مصالحهم ونحن ألد أعداء مصالحنا؟!!
فمتى سنستفيق من غينا ونؤمن بالذود عن مصالحنا متحدين؟!!
واقرأ أيضاً:
الفساد عتاد!! / تبطيل الأباطيل!! / التنوير العلمي!! / النفس والتصنيع!! / العرب ضد العرب!! / الزمن والكرسي!! / هيبات وخيبات!!