يعتبرونها من أشهر النساء النكديات في التاريخ، كانت شديدة العصبية وسريعة الانفعال وحادة الطباع على الرغم من جمالها المشهود، وقد ساقها حظها العثر لأن تتزوج سقراط فزادها هذا الزواج اضطرابا وقلقا وعصبية، وقد استمرت هذه العلاقة الزوجية لسنوات طويلة ربما بسبب وجود ثلاث أبناء بينهما (يعني برضه كملوا علشان العيال). وعلى الرغم من نبوغ سقراط في الفلسفة وفي علم الأخلاق وفي مجالات أخرى كثيرة، وعلى الرغم من كونه أبو الفلاسفة والمعلم الأول إلا أنها كرهته وكرهت فلسفته وكرهت علمه وكرهت كتبه وكرهت تلاميذه ولم تكن ترى فيه إلا رجلا مجنونا يحيط به مجموعة من المجانين يتجولون في شوارع أثينا بلا هدف، وترى فيه زوجا فاشلا لأنه لم يكن ليستطيع – مع انشغاله بالفلسفة والعلم – أن يوفر لها احتياجاتها واحتياجات أبنائها بشكل كاف.
كان هذا الفيلسوف اليوناني الذي عاش بين عامي 470 ، 399 قبل الميلاد، زوجاً لامرأة سليطة اللسان تعود أن يهرب منها قبل طلوع الشمس، ولا يعود إليها إلا بعد دخول الليل. ، قال يوماً يصف حياته معها: أنا مدين لهذه المرأة!! فلولاها ما تعلمت أن الحكمة في الصمت، وأن السعادة في النوم، مسكين الرجل إنه يقف حائراً بين أن يتزوج أو يبقى عازباً بلا زواج وهو في الحالتين نادم، ولكل شخص الحق في أن يختار الطريقة التي تؤدي به إلى الندم.
وكان سقراط يجد سلواه مع تلاميذه عندما يجتمع بهم ويجادلهم ويحادثونه في أمور الدنيا وأحوالها، قال مرة لأحد تلاميذه ينبغي أن تتزوج! فإنك إن ظفرت بزوجة عاقلة صرت سعيداً، أما أن وقعت في براثين زوجة طائشة مناكفة صرت فيلسوفاً مثلي.
حدث يوماً أنه كان يتناقش في أفكاره الفلسفية مع بعض تلاميذه، حين صاحت زوجته ونادته طالبة منه أن يذهب إليها ويساعدها في بعض الأعمال ولكنه لم يسمعها أو بالأحرى كان مندمجاً بالنقاش، فما كان منها إلا أن أحضرت وعاءاً مملوءاً بالماء وصبته فوق رأسه، وبالطبع انزعج تلاميذه من مثل هذا السلوك الفظ، واندهشوا من جرأتها مع معلمهم، ولكنه نظر إليهم وقال بهدوء وهو يسوي خصلة الشعر الوحيدة في رأسه الأصلع : بعد كل هذه الرعود، فلابد أن نتوقع هطول الأمطار .
قد تبدو هي محقة لأنها كانت تقف عند مستوى الاحتياجات البيولوجية في هرم ماسلو للاحتياجات، وربما كانت تحتاج للأمن والحب منه فلم تجد ذلك، ولهذا يبدو أنها كانت محبطة جدا وكان إحباطها يتحول إلى غضب وإلى كراهية وعدوان في شكل ألفاظ قاسية وصراخ موجه نحو هذا الزوج الهادئ المفكر المتأمل الحالم.
كان مشهورا بقبح شكله وكانت هي مشهورة بجمالها، كان أشعث الشعر يسير في شوارع أثينا حافي القدمين عاري الصدر، ومن خلفه تلاميذه من الشباب، ومن وقت لآخر يتوقف ليوجه لهم سؤالا طرأ بباله. هذه الصورة كانت تراها الزوجة الواقعية عبثا، وما كان يراه الناس في حوارات سقراط فلسفة ذات قيمة عالية كانت هي تراه هراءا ومضيعة للوقت. ربما كانت تتوق إلى زوجا عاديا يمنحها وأبناءها حياة كريمة ويساعدها في أعمال البيت وفي مذاكرة الدروس لأبنائه، وفي هدأة الليل يطارحها الغرام ويشعرها بأنوثتها. وما أن يُذكر العباقرة التعساء في بيوتهم حتى يقفز اسمها على الفور حتى أصبحت مضرباً للمثل في سلاطة اللسان، وكان صبر سقراط عليها وتحمله لثوراتها مضرباً للأمثال أيضاً.
على الجانب الآخر ربما تكون هذه الفتاة أكثر الزوجات تعاسة، فلقد تزوجت أستاذها سقراط بعد أن هامت بحبه هياماً لا يوصف وهي لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها، ويبدو أنها انبهرت بشيء ما فيه وقتها ولكنها بعد ذلك كانت دائما تعيب عليه إهماله لشئون الأسرة، وتتهمه بالكسل وانعدام المسؤولية، لقد كان جل همها أطفالها وبيتها ومتطلباتهم، بينما زوجها منصرف عن كل هذا بفلسـفته، الأمر الذي جعل (زانتيب) دائمة الشـجار معه.
قال يوماً يصف حياته معها : أنا مدين لهذه المرأة لولاها ما تعلمت أن الحكمة في الصمت وأن السعادة في النوم، الرجل مخلوق مسكين يقف محتاراً بين أن يتزوج أو أن يبقى عازباً وفي كلا الحالتين هو نادم.
قالت زوجة سقراط له يوماً : ما أقبح وجهك، فأجابها : لو لا أنك من المرايا الصدئة لتبين لك حسن وجهي.
كان هدوء سقراط العقلاني مستفزا لزوجته لدرجة أن بعض المؤرخين ذكر أنه كان ثمة حوار بين سقراط وبين زوجته شعرت بعده بألم في صدرها فماتت بأزمة قلبية، والبعض الآخر يقول أنها عاشت وشهدت لحظات سقراط الأخيرة قبل إعدامه بالسم.
يقول سقراط : ابتليت بمصائب ثلاث :اللغة والفقر وزوجتي، أما الأولى فقد تغلبت عليها بالاجتهاد، والثانية فقد تغلبت عليها بالاقتصاد، وأما الثالثة فلم أستطع التغلب عليها.
في آخر أيامه تقدم الجنود ليطرقوا باب بيته بعنف، وما أن همت (زانتيب) بفتح الباب حتى أخذت تصرخ في وجه سقراط :
ألم أقل لك أن تكف عن الجدل، آه (تأخذ بالبكاء) آه يا زوجي العزيز، ما يميزك عن سواك أنك لم تنهرني قط، ولم تضربني كما يفعل الرجال من غلاظ القلوب، وا حزناه، إنك لم تذق طعاماً منذ ظهر أمس يا سقراط الحبيب، ويتقدم سقراط نحو الجنود قائلاً : مهلاً أيها الأعزاء، أنا قادم معكم، وداعاً يا (زانتيب) لا تجزعي، إنني لم أعبأ قط بالحياة، ولا بالموت، بل بالحقيقة التي سأعذب ولا شك من أجلها.
وقد كانت (زانتيب) رغم شكواها وتذمرها تحب سقراط ولكن على طريقتها، والدليل على ذلك حزنها الشديد عليه بعد المحاكمة الشهيرة التي انتهت بالحكم بإعدامه بدعوة أنه لا يؤمن بآلهة المدينة! وبأنه أفسد أخلاق الشباب.
وفي آخر أيامه في سجنه، جاءت الزوجة إليه وبكت بين يديه بينما سقراط يواسيها ثم طلب من صديقه أن يصحبها إلى دارها حتى لا تنصرف وحيدة، وبعد ذلك أخذ كأس السم من حارسه وتجرعه في هدوء.
هل كان عليها أن تدفع ثمن العيش مع سقراط غريب الأطوار والزاهد في متاع الدنيا كي ينعم البشر بفلسفته، وما ذنبها وذنب أولادها؟... هل كان سوء اختيار من البداية فقد عشقت هالة الفيلسوف وانبهرت بأستاذها الكبير ثم حين اقتربت من تفاصيل حياته اليومية كرهته، أو ربما كرهت فيه أشياء وأحبت أشياء، والدليل على ذلك أنها استمرت في العيش معه، وهو أيضا كذلك، فعلى الرغم من قسوتها وسلاطة لسانها واستهزائها به وبفلسفته إلا أنه كان رفيقا بها متحملا لأذاها ويتلقاه في هدوء وابتسامة، وكأنه كان يدرك حجم معاناتها ويشفق عليها.
ربما لا نستطيع لومها أو لومه، فهي كانت تعيش الواقع (الطعام والشراب ومصاريف الأولاد، وربما اهتمامه كرجل بها كامرأة)، أما هو فكان يعيش حلم البحث عن الحقيقة في عالم يخشى الحقيقة ويزيفها.
رحم الله سقراط ورحم زوجته فقد تعذبا معا (كل بطريقته) من أجل أن نعرف قيمة الحقيقة بوجهيها : الواقع والحلم، وأنهما لايفترقان رغم التناقض البادي بينهما.
واقرأ أيضًا:
الصمت الزوجي / السرير البارد/ الطلاق المتحضر (تسريح بإحسان) / أنماط الجنسية المثلية / الطلاق العاطفي