الجهل مقدس والفقر مقدس في عُرف الأحزاب المؤدينة أي التي تسمي نفسها دينية، فلكي تحكم وتقبض على مصير الناس عليها أن تضفي القدسية على الجهل والفقر، وتتمثل هذه الآلية التفاعلية بترسيخهما واعتبارهما من ضرورات الدين والفوز بنعيم الآخرة المنتظر.
ولهذا لن تجد حزبا متأدينا واحدا يسعى للعمل على إزالة الفقر أو تعليم الناس، لأن في ذلك تهديد لأهم ما يمتلكه من آليات الحكم والتسلط، وبموجبه يتمكن من تحقيق الفساد العارم الذي سيكون مقدسا كذلك، لما لديهم من مسوغات يقرنونها بالدين، فيضللون ويخادعون، وهمهم أن تحقق نفوسهم الأمّارة بالسوء ما تريده من الخطايا والآثام المقدسة.
ولايستطيع مَن ينكر ذلك أن يأتي بدليل يفنده، فالفقر والجهل والفساد ثلاثية متنامية أينما وجدت الأحزاب التي تدعي بأنها تمثل الدين بكافة صنوفها ومشاربها ومذاهبها، فلا فرق بينها جميعا، لأنها تمتلك ذات الآلية الاقترابية من الدنيا، التي تعتبرها من حقها الخاص فهي التي تفوز بالاثنتين، وعلى الناس أن يتمرغوا بالفقر والجهل والعوز والقهر لكي يتحقق لهم الفوز بالحياة الآخرة، كما يوهمونهم ويغررونهم ويحشون رؤوسهم بالبهتان السقيم.
فمن يدّعي بأن هذه الأحزاب ضد الفقر والجهل والفساد إنما هو منها ويعبر عن مناهجها المخادعة المنافقة الكذوبة السوداء، لأنها أحزاب أنانية استحواذية غابية الطباع متوحشة النفوس قاسية القلوب ورسالتها سفك الدماء، فذلك من الإيمان الصادق وفقا لأعرافها المريضة، وعليه فلن تجد حزبا منها لم يتمرغ بالدماء، ولم يقتل الأبرياء وفقا لفتاوى الحمقى والأدعياء من رموزه الأشداء.
نعم إن سفك الدماء من الإيمان، والصبر على الظلم من الإيمان، واستمراء الفقر والانغماس في الجهل اللازم لتأمين التبعية والخنوع من أصدق أركان الإيمان، ولكن بماذا؟
إنه الإيمان بما يطلقونه من تصورات وهذيانات وأضاليل وأكاذيب وادّعاءات تحافظ على دورهم وسطوتهم واستحواذاتهم على حقوق الآخرين باسم الدين، فالدين عندهم تجارة بضاعتها البشر المرهون بالفقر والجهل، وهم أئمة الفساد وقادته وأولياء أمور الفاسدين والمجرمين، لكنهم يتحدثون باسم الدين، وتلك هي الطامة الكبرى التي وقعت على الدين وأهله باسم الدين.
فهل ستتحقق الاستفاقة من غفلة الضلال والسوء المهين؟!!
واقرأ أيضاً:
النخب الرهينة!! / ثؤرات وثورات؟!! / الارتهانية!! / اقتلوهم بدينهم!!