إنها دعوةٌ مفتوحةٌ لكل فلسطينيٍ قادرٍ على رفع قضيةٍ ضد أشخاصٍ محددين في الكيان الصهيوني، استناداً إلى السابقة القضائية الإسرائيلية، الصادرة عن المحكمة المركزية الإسرائيلية بمدينة القدس المحتلة، يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر نيسان لعام 2020، والتي قضت بتغريم السلطة الفلسطينية قرابة نصف مليار شيكل، تخصم قسراً من عوائد الجمارك الفلسطينية، وتحول إلى ذوي "الضحايا" الإسرائيليين، الذين قتلوا أو أصيبوا أو تضرروا في عملياتٍ عسكريةٍ نُفذَت ضد أهدافٍ إسرائيلية، انطلاقاً من المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية، بحجة مسؤوليتها المباشرة عنها، أو تهاونها في منعها وإحباطها، أو بسبب رعايتها لمنفذيها وتعويض ذويهم أموالاً عن بيوتهم التي هدمت، أو منحهم رواتب شهرية باسم أولادهم الأسرى أو الشهداء.
علماً أن السلطة الفلسطينية غير مخيرةٍ أبداً في دفع الغرامة والالتزام بنص الحكم، ذلك أن المحكمة أوردت في حكمها نصاً آخر، قضت بموجبه أن تضع السلطات الإسرائيلية المعنية يدها على الأموال العائدة للسلطة، ليتم اقتطاع المبلغ المنصوص عليه بصورةٍ مباشرةٍ دون الرجوع إلى السلطة الفلسطينية، وهي السلطات نفسها التي تقوم شهرياً باقتطاع حصة الأسرى والمعتقلين والشهداء من أموال المقاصة الفلسطينية، المتعلقة بالضرائب والجمارك التي تجبيها السلطات الإسرائيلية نيابةً عن السلطة الفلسطينية، رغم علمها بسوء الأوضاع الاقتصادية للمواطنين الفلسطينيين، وتردي مستوى المعيشة، وتقليص الرواتب وارتفاع نسبة البطالة، خاصةً في ظل وباء كورونا الذي ألحق أشد الأذى والضرر بالاقتصاد الفلسطيني.
إنها فرصةٌ يمكن الاستفادة منها والبناء عليها، بالاستناد إلى السابقة القضائية، التي يمكن الاستدلال بأحكامها والرجوع إليها، خاصةً أننا في حاجةٍ إليها لإدانة الكيان الصهيوني والتضييق عليه، ومحاسبة قادته ومحاكمتهم، ومعاقبتهم على جرائمهم والانتقام منهم على ما ارتكبوه في حق شعبنا ومقدساتنا وممتلكاتنا، فالمحاكم الوطنية الأوروبية، والمحاكم الدولية على اختلاف مستوياتها وتخصصاتها، تأخذ بأحكام المحاكم الإسرائيلية وتبني عليها أحكامها، وتحاسبها بنفس قوانينها، وهي أعرافٌ معمولٌ بها في أروقة القضاء وتحت أقواس المحاكم، ويمكن لمحامين مهرةٍ أكفاء، أن يستغلوا الأحكام الإسرائيلية لاستصدار مثلها من محاكم وطنية أوروبية عديدة.
وحيث أنه لا يكاد يوجد بيتٌ فلسطيني إلا وفيه شهيدٌ أو جريحٌ، أو لحق به ضرر وأصابه ظلمٌ واعتداء بأيدي إسرائيليين، سواء من قبل الجيش أو المستوطنين على الحواجز والمعابر، أو خلال الحروب والمعارك والاجتياحات والمداهمات، وغالباً ما يحفظ أهلنا جميعاً أسماء مجرمي العدو الصهيوني وجلاوزته، وجنوده القتلة وضباطه المجرمين، ويعرفون صور وألقاب ورُتب الذين اعتدوا عليهم وأساؤوا إليهم، كما يعرفون أرقاهم هواتفهم وحساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعلمون سفرياتهم وتنقلاتهم، ويرصدون حركتهم وعملهم، فإنهن اليسير عليهم رفع قضايا ضدهم، وتوجيه الاتهامات إليهم.
كما أن غالبية أولياء الدم الفلسطيني موجودين، الأب والأم والولد، والأسرة والعائلة والأهل، وهم جميعاً أقاربٌ من الدرجة الأولى، الأمر الذي ييسر عليهم رفع قضايا ضد المسؤولين الإسرائيليين وقادتهم العسكريين، وضباطهم وجنودهم الميدانيين، الذين ثبت بالصورة والصوت ارتكابهم لجرائم بحق شعبنا الفلسطيني، قتلاً وتعذيباً، واعتقالاً وتنكيلاً، وحرقاً وتخريباً، وهدماً وتدميراً، وتشريداً وتهجيراً، وكل هذه القرائن والوثائق، والإفادات والشهادات، مثبتة ومحفوظة، ولا يمكن الطعن بها أو التشكيك فيها، وهو ما لا تستطيع أي محكمة مختصة في العالم أن تهملها أو تبطلها.
علماً أنه يوجد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وفي دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، هيئاتٌ قانونية ومؤسسات مجتمعٍ مدني كثيرة، ولجان حقوق الإنسان ومنظمات تضامن دولية، ومحامون كبار ورجال قانون متمرسون، ممن يمكنهم تسهيل حاجة المتضررين الفلسطينيين، ورفع قضايا باسمهم ضد من قتل أبناءهم أو ألحق بهم أضراراً جسيمة وعاهاتٍ مستديمة، أو ضد مستوطناتٍ بأكملها بنيت فوق أراضٍ فلسطينية خاصةٍ، بعد أن طرد مستوطنوها أصحابها وصادروا ممتلكاتهم، وهؤلاء فضلاً عن رغبتهم في مساعدة الفلسطينيين، فإن لهم خبرة بالقوانين الغربية، وبتخصصات المحاكم الوطنية، والدول التي تتيح قوانينها محاكمة مجرمي الحرب أياً كانت جنسيتهم، وبغض النظر عن المكان الذي ارتكبوا فيه جريمتهم.
يدرك الإسرائيليون أنهم قد يواجهون أخطاراً حقيقية في حال لجأ الفلسطينيون إلى هذا السبيل، وطرقوا أبواب المحاكم الدولية، ولهذا فقد خصصت حكوماتهم هيئاتٍ قانونية خاصة للدفاع عن جنودهم وضباطهم ومسؤوليهم، وأجبرتهم على التنسيق مع الهيئات المختصة قبل سفرهم، وكلفت هيئة أركان جيش العدو محامين كباراً للدفاع عن أي مسؤولٍ قد يتم توقيفه أو محاكمته.
وقامت وزارتا الخارجية والقضاء بالاتصال مع نظرائهم في الدول الأوروبية، لضمان عدم تعرض أيٍ من مسؤوليهم أو جنودهم لأي محاولة توقيف أو محاكمة، علماً أن العديد من المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين، لا يجرؤون على السفر خارج الكيان، وبعضهم قد ألغى زيارته إلى بعض العواصم الأجنبية في اللحظات الأخيرة، بناءً على تحذيرات الهيئات الحقوقية الإسرائيلية المكلفة بمتابعة قضاياهم.
لا بد من قطع اليد الإسرائيلية، والضرب عليها بيدٍ من حديدٍ بكل السبل الممكنة، ومنعهم بقوة القانون من الاستفراد بالشعب الفلسطيني، ولا بد أن يشعر جنود العدو وضباطه، وقادتهم ومسؤولوهم وأصحاب القرار فيهم، بأنهم سيلاحقون في كل مكانٍ يصلون إليه، وأنهم لن ينجوا من الحساب والعقاب، وأن كيانهم لن يحميهم، وحلفاءهم لن يكفلوا أمنهم أو يضمنوا سلامتهم، وأن الفلسطينيين ومعهم الأمة العربية والإسلامية وكل أحرار العالم، لن يدعوهم يشعرون بالأمان أو بحرية السفر والتنقل، بل سيلاحقونهم في كل مكانٍ، وسيجبرون المحاكم المختصة على القصاص منهم وفرض الأحكام عليهم وفقاً للقوانين المعمول بها والمنصوص عليها، وهذا أمرٌ ممكنٌ، وهو بالنسبة للعدو مزعجٌ ومقلقٌ.
بيروت في 2/5/2020
واقرأ أيضا:
مائةُ عامٍ على تفكيكِ سوريا وتمزيقِ الوطن / تلميعُ صورةِ الاحتلالِ في الدراما العربيةِ سقوطٌ وانحرافٌ