شعور اللاّكتمال وخبرات ليس صحيح تماما إ.ل.ص.ت NJREs
هناك من يعدون الأشياء من حولهم تمضية للوقت أو لصرف انتباههم عن موضوع ما، ويمكن أن يعد الإنسان الطبيعي الأشياء ويكرر عدها بغرض التسلية أو لأي غرض آخر لكنه يبقى هو المتحكم والمسيطر على عملية العد، لكن هناك من يسيطر العد عليه ولا يستطيع إلا أن يعد فيعد تقريبا كل ما يمكن عده، وهذا هو العد القهري Compulsive Counting أحد الأعراض الشائعة لاضطراب الوسواس القهري، بل لعله من أقدم ما وصف من أعراض الوسواس القهري، فمنذ الفراعنة هناك حكاية الكاهن المصري القديم حقا نخت الذي كان يكتبُ رسائل لابنه يعدُّ ويحصرُ فيها كل شيءٍ حتى حبات القمح وحبات الشعير التي تنتجها حقولهُ (سليم حسن,1992) ولعله أول وصف في التاريخ لوسواس العد....
وهناك تسمية أخرى لوسواس العد القهري هي "هوس العد أو الحساب" Arithmomania وهي العد القهري الذي يُشعر المرضى بحاجة شديدة للقيام به بحساب أفعالهم أو الأشياء في محيطهم فعلى الواحد مثلا أن يحسب (يعد) خطواته صعودا وهبوطا على الدرج، أو عدد النوافذ على جانبي الممر الذي يمشي فيه، أو عدد لفات دواسة الدراجة وهو يقودها، أو ببساطة عدد المرات التي يتنفس فيها أو يومض برمشه، أو يجد نفسه بحاجة لأن يلمس الأشياء عددًا معينًا من المرات مثل مقبض الباب أو الطاولة....إلخ وأغلب هؤلاء يقولون أنهم وجدوا أو يجدون أنفسهم يعدون تلقائيا أي دون قصد وكثيرا ما يكون العد بلا معنى معين بالنسبة للشخص ولكنه لا يستريح إلا إذا فعل، لكنه أحيانا يكون عدا متعمدا أو مقصودا ولدى المريض التفسير له.
ويمكن أن نجد العد القهري في حالات و.ت.غ.ق (وسواس التلوث الغسيل القهري) كمن يعد مرات الغسيل ليؤكد لنفسه أو حتى يصل عددا معينا، ويمكن أن نجده في حالات و.ش.ت.ق (وسواس الشك التحقق القهري) كمن يعد عدد مرات إغلاق السيارة بالريموت أو عدد مرات التحقق من إطفاء الموقد، وكذا في حالات الوساوس التجديفية الدينية والجنسية كمن يعد عددا معينا أو بطريقة معينة ليوقف الفكرة أو الصورة أو يحيدها، رغم ذلك فإن قهور العد أكثر ارتباطا بمرضى و.ل.ت.ق (وسواس اللاّكتمال التكرار القهري) منها بغيره، والعد مرتبط بالتكرار والتكرار مرتبط بالعدد، فمن يكرر يكرر بالضرورة عددا معينا من المرات، ومن الشائع أن نجد وساوس وقهور العد كذلك في حالات الوسواس القهري المواكب لاضطراب العرات Tic Disorder أو متلازمة توريت Tourette’s syndrome. ومع أي من هذين الاضطرابين دون وسواس، حيث يمثل العد في تكرار العرة حتى رقم معين أوحتى الشعور بتمام الصحة جزءًا من أعراض العرة.
وقد نجد من بين مرضى و.ل.ت.ق من يعُد ثلاث مرات وقد وجه وجهه لليمين وثلاث مرات وقد وجهه لليسار، لأن ذلك بالنسبة له يعني الصحة في التساوي أو الاتزان (أو الاكتمال)، ومن إذا نظر إلى شيء نظر إليه مرتين (وأحيانا محملقا) بحيث يساوي بين عينيه بأن يعطي كل عين حقها، ونجد من يخرج ويدخل من الباب 3 مرات لأن ذلك يمثل تمام المرور من الباب ولأنه لا يستريح إن لم يفعل، كما نجد الأرقام الخاصة شائعة في مرضى قهور العد. فتجده يقوم بأي مهمة عددًا معينًا من المرات، مثلا يقلب مفتاح الضوء أربع مرات يغلق ويفتح ويغلق ويفتح، لأن أربعة هي رقم "جيد" أو "صحيح". أو تجده يقوم عقليًا بتجميع الأشياء أو الكلمات أو المقاطع في مجموعات من عشرة، إذا كانت العشرة بالنسبة له هي الرقم "الآمن" مثلا. ومثلما لدى بعض مرضى وسواس العد القهري أرقام خاصة فإن لديهم أيضًا أرقام "سيئة" يجب تحاشيها (تجنبها) أو استبدالها عقليًا بأرقام "جيدة".... ويكون ذلك بالعد أي أن كل الطرق تؤدي إلى العد القهري!
إذن قد يقوم مرضى قهور العد بالعد لأنهم يشعرون أن لأرقام معينة أهمية خاصة أو معنى خاصا في مواقف معينة أو بشكل عام، وأنه يجب تنفيذ إجراءات معينة لعدد معين من المرات فمثلا، يشعر عديدٌ من مرضى الوسواس القهري أن الرقم ثلاثة مهم بشكل خاص، وبالتالي سيفعلون الأشياء ثلاث مرات.... مثلا لأن هذا الرقم يمثل الثبات كما في المثل العربي "الثالثة ثابتة" أو "التالته تابته" كما يقول المصريون، أو يمثل الكمال في إزالة أذى معين .. أو الكمال في غسل الأعضاء في الوضوء عند المسلمين ...إلخ... وعندما يعتبر الرقم مهمًا، يكون لدى الفرد رغبة في القيام بالسلوك مثل لمس شيء أو مسح الوجه بعدد مرات العدد المعتبر مهما. ويمكن أن يشمل العد القهري حالات عد الأشياء مثل الخطوات والعناصر والسلوكيات، وفي كل أشكال العد القهري يمكن أن يكون العد منطوقا (بصوت أو بغير صوت) أو مجرد العد الذهني أي داخل العقل.
قد يعد مرضى العد القهري أيضًا لمجرد العد أي دون التفكير في رقم معين. فقد يحسبون خطواتهم عند المشي، أو يعدون الأشجار أو أعمدة الكهرباء أثناء السفر بالقطار أو عدد طوابق البنايات في الطريق، أو يعدون عدد البلاط (أو عدد نوعية معينة منه) في أرضية غرفة الانتظار أو يعدون البلاط على السقف،. أو يعدون حافظات أوراق المرضى في الخزانة، وهناك من يعد الكلمات في كل سطر وهناك من يعد الحروف أو عدد المقاطع الصوتية في كل كلمة وفي أسماء الناس...إلخ... وهناك من تشمل عملية عد الأشياء عندهم عمليات حسابية متعددة مثلا عند انتهاء العد على رقم زوجي يجب القسمة على كذا (-) ثم العد بقدر الناتج، أو تجري عملية العد بنمط معين مثلا عد أربعة من الأشياء المذكر أو الموجب ثم أربعة من المؤنث أو السالب ثم مضاعفة ذلك، ...إلخ، هم إذن وبشكل واضح يعدون أشياء لا تحتاج حقيقة لأن تعد أو تحسب. وهم أحيانا حتى يتخذون قرارتهم بالعد حتى رقم معين، مثلا يتخذ الفرد قرارًا بشأن الأطعمة التي يجب أن يطلبها من القائمة أو أي عنصر يجب شراؤه باتباع القواعد التي تتضمن العد.. البعض الآخر يعد الوظائف الجسدية المنتظمة، مثل عدد الأنفاس والومضات والبلع، وهناك من يعد الأرقام على الأجهزة (أي على مدار الساعة الرقمية)، ووقت التشغيل على مشغل الفيديو أثناء مشاهدة فيلم، إلخ.
كذلك غالبًا ما تكتسب الأرقام الفردية والزوجية أهمية. فهناك من مرضى و.ل.ت.ق من يعد الأشياء مستخدما كل الأعداد فردية وزوجية أي (1- 2 - 3 -4 – 5....إلخ) لكنه لابد مثلا أن يقف عند رقم زوجي وإلا فسيشعر بالضيق، وهناك من يعد الأشياء بالأرقام الفردية فقط أي (1-3-5-7 ....إلخ) وهناك من من يعدها بالأرقام الزوجية فقط أي (2 - 4 – 6....إلخ) ومنهم من يقسم ما يعد إلى مجموعات في ذهنه، أو مثلا يجب أن يجعل مؤشر صوت الراديو دائمًا على رقم زوجي، أو يجب أن يكون عدد زوجي من مكعبات الثلج في أي كوب يقدم له، وإذا كان الرقم مختلفا، غالبًا ما يشعر الشخص بأنه "مفصول" أو "غير صحيح" ويضطر إلى إصلاح الرقم، مثلا عن طريق تغيير المؤشر إلى رقم زوجي أو العكس أو بالتخلص من مكعب ثلج، ليصير عدد مكعبات الثلج لكوب زوجيا أو فرديا حسب الشخص أو حسب الحالة... وهناك مثلا من إذا أثناء عده للدرج وهو يصعد السلم وجد أن العدد جاء فرديا مثلا 11 عند مستوى طابق معين فإنه يأخذ خطوة لأعلى في الهواء كأنها درجة ليصبح العدد 12 ... وهكذا، وقد نجد في خلفية هؤلاء المعرفية أفكارا خرافية عن أرقام أو ألوان معينة محظوظة وأخرى غير محظوظة وقد لا نجد!، فهناك من لا يمتلك أفكارا ليرد بها عليك حين تسأله لماذا؟ أو يقول لك مثلا أنه يحب الرقم كذا ولا يحب الرقم كذا ولا يعرف لماذا ؟!
ليس دائمًا سببٌ لدى مرضى العد القهري للعد. ففي أكثر الحالات لا يكون الخوف أو القلق من نتيجة معينة هو الدافع للعد القهري وغالبًا ما يتعلق بأن عددًا معينا يمثل للشخص نقطة الوصول إلى الكمال والصحة، أو هو لا يشعر بالراحة إلا إذا قام بالعد أو العد والتكرار معا (والتكرار هنا قد يكون تكرار تحقق وقد يكون تكرار غسيل) فقهور العد يمكن أن تصاحب أي فعل قهري سواء كان من القهور الطقسية أو قهور التكرار أو قهور التحقق أو الغسيل وكذلك في الوسواس ذي الأعراض الدينية أو الجنسية.... لكنها أكثر ارتباطا بقهور الترتيب والمساواة والتماثل.
ومن المهم التفريق بين نوعين من الوساوس المتعلقة بالعدد أو الأرقام فهناك وسواس العد القهري الذي شرحناه أعلاه وهو موضوع هذا المقال والذي يمكن أن تصحبه أهمية خاصة لرقم معين والعد بالتالي إليه أو أكثر منه (ونادرا أقل)، لكن الوسوسة تكون بعملية العد نفسها وليس بالعدد حتى وإن كان الوصول لعدد معين هدفها الذي تشعر عنده بالاكتمال والصحة، وهناك ما نستطيع تسميته وسواس العدد أو الرقم وهي وساوس تتعلق بأعداد معينة دون عد أصلا أو بتحاشي رقم معين (13 ربما هو الأشهر) أو تحاشي النظر إلى الساعة مثلا عند الساعة 3,20 كي لا يحدث مكروه للنفس أو الغير، وهناك من يجد نفسه مرغما على قراءة أرقام أي سيارة تصادفه في الطريق وهذا كله لا يتضمن عملية عد قهري وإن ارتبط بالأعداد.
ورغم أن الشخص المصاب باضطراب الوسواس القهري يدرك أن هذا مجرد اضطراب الوسواس القهري، إلا أنه يواصل العد أو الاهتمام بأرقام خاصة محددة ولو على سبيل الاحتياط، والحقيقة أن كل مرة تكرار تجعل الوسواس القهري أقوى. وهذا هو السبب في أن المريض قد يصبح شديد الأعراض في النهاية فيستهلك اليوم بطوله مع طقوس العد وتكرار العد. وأحيانا تتطور الإصابة بالعد القهري إلى نظام معقد يقوم فيه المصاب بتعيين قيم أو أرقام للأشخاص والأشياء والأحداث من أجل استنتاج تماسكها أو تساويها على اليمين واليسار، والشعور بالراحة، وترتبط هذه الأرقام أحيانًا بالأحداث الماضية ويتذكر الشخص الأحداث مرارًا وتكرارًا بقيم رقمية معينة. ينفذ أفعاله بعدد معين من المرات ويرتبط هذا الرقم بحدثه الصدمي الخاص، وأخيرا صحيح أن طقوس أو قهور العد غالبا ما تكون ثانوية أو عرضا مصاحبا لأعراض الوسواس القهري الأخرى التي تكون أكثر إزعاجا واهتماما من المريض وأهله لعلاجها بينما وساوس وقهور العد غالبا ما تكون مما نسميه الوساوس النائمة أو الباردة أو المستأنسة التي لا يشكو منها المريض ويجب سؤاله عنها بدلا من التركيز على نقاطه الساخنة فقط، لكن قهور العد أحيانا يمكن أن تكون بمثابة القشة التي تقسم ظهر البعير... خاصة عندما يكون عدا ظاهرا أو تكرارا لافتا طرأ على مريض متعايش مع الوسواس فتدفع المريض وأهله لطلب العلاج، وكذلك عندما تظهر الأعراض في سن مبكرة ويكون العد أو التكرار ظاهرا في أداء التلميذ... بما يلفت النظر أو يعيق الأداء لفرط البطء الوسواسي الذي يرجع أحيانا للعد في مرضى و.ل.ت.ق.
المراجع:
سليم حسن (1992): تاريخ مصر القديمة، الجزء الثالث؛ الدولة الوسطى. القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.ص: 112 – 122.
ويتبع>>>>> : وسواس اللااكتمال التكرار القهري و.ل.ت.ق العلاج
واقرأ أيضا:
....... و.ل.ت.ق مقدمة2 / شعور اللاّكتمال وخبرات ليس صحيح تماما إ.ل.ص.ت NJREs