دوَّخونا بأسماء الأعلام في مسيرة الحضارة العربية قبل قرون، وأوهمونا بأنهم ذروة ما فينا، وبأننا لن نكون كمثلهم بل سنعيش دونهم إلى الأبد. ومع الاحترام والتقدير والاعتزاز بهم ولدورهم في مكانهم وزمانهم ووفقاً لما توفر عندهم من معارف وعلوم، لكن الأمة قد أوجدت العشرات من أمثالهم وفقاً لمعطيات العصور التي عاشوا فيها.
وفي عصرنا يوجد المئات من النوابغ والعلماء في شتى صنوف المعارف، وأحدهم يتفوق على أي من الأعلام الذين نتمسك بهم ونحسبهم كما يريدون لنا أن نراهم ونتصورهم، والسياسة الفاعلة فينا في عصر امتهاننا واستلابنا هي أن نطمس أعلامنا المعاصرين وننكرهم ونبخسهم حقوقهم ودورهم، ونترنم بالذين ذهبوا منذ قرون.
وكأنها خطة ذكية لتدميرنا والقضاء على وجودنا وتفريغنا من طاقاتنا وقدراتنا الحضارية، فالعرب فيهم علماء أفذاذ، وما خلت مجتمعاتهم من النوابغ والمبدعين والمفكرين والعلماء البارعين في ميادين اختصاصهم. فعلى سبيل المثال لو تحدثنا عن علم الاجتماع فالشائع عندنا أن يبرز ابن خلدون ونمعن في الحديث عنه وتهويل نظرياته وكأن علوم الاجتماع والتاريخ انتهت عنده، وعصرنا يزدحم بالنظريات والبحوث العلمية الرصينة التي تتناول هذا العلم، وتجدنا مرهونين بمفهوم البداوة والحضارة وحسب.
ولو سألت أي مختص في العلوم الاجتماعية في الدنيا فلن يعرفه، ولو تحدثت معه عن نظرياته لأنكرها وهزأ منها، فالعلوم تطورت كثيراً جداً ولا نزال نتحدث في موضوعات غابرة مندثرة، وننكر علماء الاجتماع العرب المعاصرين الذين يعرفون أكثر من ابن خلدون آلاف المرات.
وقس على ذلك العديد من الحالات التي علينا أن نتوقف عندها ونتساءل "لماذا نندفع نحو الذي مضى وما انقضى، ونتجاهل القائم الحاضر المضيئ في حياتنا؟!" قد تبدو لعبة استشراقية أصابت العرب بمقتل، فمن المعروف أن المستشرقين هم الذين اكتشفوا تاريخنا وحضاراتنا، فمعظم الآثار وحتى الأهرامات والمقابر الفرعونية وحضارات بلاد الرافدين مكتشفة من قبل الأجانب.
ويبدو أيضاً أن التاريخ تحقق توظيفه لتعويقنا وتدمير وجودنا المعاصر وتحويلنا إلى مجتمعات تعتاش على غيرها وتتمتع بنزعة استهلاكية فائقة خصوصاً بعد اكتشاف النفط من قبل الأجانب في أراضينا.
فعلينا أن نستيقظ ونُعزّ عقولنا المعاصرة ونفخر بها ونتباهى ونمنحها ما تستحقه من التقدير والاحترام والمنزلة لتستعيد الأمة قوتها وكرامتها، فعقولها تضاهي عقول الدنيا وتتفوق عليها في العديد من الميادين.
تحية لعلمائنا المعاصرين الأجلاء المبدعين في ميادين العلوم والثقافة، فبهم نتفاخر ونرقى.
فلننظر إلى ما عندنا من الثروة العلمية الفياضة، ودعنا من الذين كانوا فهم نجوم في حينها سطعت وأنارت، ولدينا نجومنا المعاصرة المتوهجة الأنوار، فعلينا أن نكون!!
واقرأ أيضاً:
حبر على ورق!! \ القرآن مصدر اقرأ \ لعبة الشطرنج الافتراسية