أهل البهتان يحسبون غيره هو البهتان, وما يرونه الحقيقة المطلقة القويمة البنيان, وفي هذا تكمن أخطر التفاعلات البشرية وتتحشد أسباب الويلات الجسام.
للبهتان أسس وأعمدة تشيدها نوازع النفوس الأمّارة بالسوء, وهي متنوعة ومتطلعة لتأكيد ما فيها من الدوافع المتوّجة بالشرور والأسقام. ولها سلطات جاذبة وإرادات صاخبة تستولي على العقول وتمتطيها لتسويغ غاياتها والوصول إلى مراميها مهما كانت غريبة وسيئة.
وفي معظم الأحيان لا تكون العقول متحررة منها, مما يتسبب بأعمال وتفاعلات ذات أضرار كبيرة ومتعاظمة على جميع المستويات. فالأمور يُنظر إليها من زوايا متعددة, ويصعب حصر النظر بزاوية واحدة إلا بالقوة العاطفية والقدرة الانفعالية التي تحتم على الشخص أن يذعن لما يُراد له أن يرى.
وبهذه الطريقة يتمكن البهتان من كسب مناصريه وتشكيل مجاميعه وفئاته, والعمل بموجب أوامر ذات شرور دفاقة ومناهج عدوان فتاكة, لأن السُكارى بالبهتان يتدحرجون نحو الهاوية بكثافة عالية تعمي بصائرهم وتعزز بهتانهم. وتلعب التصورات الغيبية دورها الكبير في تحشيد البشر حول البهتان, وتوهمهم بضرورة التمسك بمنطلقاته وما تمليه عليهم رموزه المتاجرة بهم, فبضاعة البهتان بشر مُنوّم ومُخدّر بالعواطف والانفعالات التي تأججت وتعززت واضطرمت واستدامت مؤهلة للاشتعال عند أول قدحةٍ أو شرارة.
ولهذا يكون من الصعب محاججة الغارقين بالبهتان, لأنه عطّل عقولهم وأطلق شرورهم وحوصلهم في أقبية الضلال الكثيف والاضطراب العنيف, فتجدهم على أهبة الاستعداد للانقضاض على الذين يحاولون مساعدتهم للنظر من زاوية أخرى وإعادتهم إلى نهر الحياة الجاري.
والمشكلة الكبرى أن البهتان يقف حائلاً أمام التعلم, فهم لا يتعلمون بل ينغمسون وبتكرار فظيع فيما هم فيه يرزخون من الرؤى والتصورات والهذيانات المسعورة.
وتلك معضلة سلوكية نجدها حية في جميع الأماكن والأزمان!!
فما يبصرون، وفي بهتانهم يعمهون, وهم الفاسدون الظالمون لكنهم لا يشعرون!!
واقرأ أيضاً:
لعبة الشطرنج الافتراسية \ كانوا وكنّا ونكون؟!! \ كش ماتَ القلم