تدعوني لإلقاء محاضرة عن السلوك العنصري بين البشر، وهي الناشطة الساعية لتوضيح المفهوم وتعميم السلوك الذي يناهضه، فقلت لها "علينا أن نتحدث عن المعاني الإنسانية التي أضاعها البشر" فتسمّرت وكأنها تسمع العبارة لأول مرّة!!
فالحقيقة الغائبة عن الوعي الجمعي أن البشر قد قتل الإنسان الذي فيه، وصار يتفاعل وكأنه مخلوق في غاب الوجود الأرضي، متحفز للعدوان على غيره، وقد اختلق لذلك السلوك مسميات وتبريرات تؤهله للفتك بالآخر.
لو نظرنا في أنفسنا وفيما حولنا لتبين لنا أن الإنسان مفقود، والبشر المنزوع من بائه هو الفاعل فينا والمدمر لوجودنا القيمي والأخلاقي، والذي يؤهلنا للتلاحي والتحارب والعدوان على بعضنا.
الإنسان الذي خلقه الله بأحسن تقويم مفقود بيننا!!
فالمخاطَب في الكتب السماوية والإصلاحية هو الإنسان وليس البشر الذي طغى بكثرته على الإنسان المنزوي فينا والخائف من وحشيتنا وهمجيتنا الغابية الطباع.
فالمعضلة الحقيقية التي تواجهنا وتفتك بنا هي ضياع الإنسان، إذ أصبح غريباً مشرداً مطارداً مهجوراً ومهاناً، وتأسدت عليه مطمورات النفوس الأمّارة بالسوء والبغضاء والعداء.
ولهذا تجد الأرض تُسقى بالدماء والدموع بلا انقطاع، وتأكل من خلقها ما لم تأكله من قبل حتى أصيبت بالتخمة وعسر الهضم لكثرة ما يُحشى فيها من الأبدان.
فأين الإنسانية ونحن نبحث عمّا يفرقنا ويبرر قتلنا لبعضنا؟! ومهما حاول الأنبياء والمصلحون أن يعيدونا إلى طريق الرشاد المستقيم فإننا ننحرف ونتهاوى في وديان الضلال ونندحر بتوحشنا ونوازعنا الافتراسية المتأججة.
فنحن نستلطف الفساد وسفك الدماء، وبهما نقيم إمبراطوريات وجودنا القاهرة لنا ولغيرنا، ولن نحيد عن سبيلهما لأنهما يغذيان نوازعنا الدفينة .
فهل من قدرة على إيقاظ الإنسان المستتر فينا؟!!
واقرأ أيضاً:
الأمة بخير \ الدفق الحضاري \ ذو الوصمتين