المجتمعات المتأخرة المحشوة بالمضطربات والمحشورة في أنفاق الويلات والتداعيات ترفع لافتات مكتوب عليها "أنا أتبع، أنا موجود"، ولا يمكنها أن تتحرر من طاعون التبعية لأي كائن كان، فرد أو كرسي قوة أو سلطة أو ما لا يخطر على بال من المسميات والتوصيفات المتبوعة التي تعني الخضوع التام والاستسلام المطلق لإرادتها مهما كان توجهها وتصورها.
وفي هذه المجتمعات يتم استغلال الدين وتسخيره لغرض التبعية وتعزيزها وإقرانها بسلوكيات ذات شحنات عاطفية عالية تنمّي قدرات شلّ العقل وحجره في أتراس انفعالية سميكة. والتبعية تعني التجرد من المسؤولية وإلقاء اللائمة على الآخر المتبوع الذي يتم تنفيذ تطلعاته بإخلاص وتضحيات مطلقة.
بينما المجتمعات المتقدمة ترفع لافتات "أنا أفكر أنا موجود"، فتراها تفكر بكل شيء، تتساءل عن أي شيء، وما أكثر المفردات المتداولة في أحاديثها وخطبها وكتبها لعبارة "أنا أفكر" و"أنا أرى" وفقاً لمنظار عقلي منطقي تفكيري فيه معنى السببية ويحاول الاقتراب منها والتعبير عنها. فالمجتمع المتقدم يكون العقل فيه هو القائد والمتأخر بلا قائد، وإنما الكل يتحرك وفقاً لآليات التابع والمتبوع، أو الحائر والتائه والمقطوع عن ذاته وموضوعه ومفردات الحياة ومناهج الصيرورات الحضارية المعاصرة.
ومن أفظع ما يتحقق في المجتمعات المتأخرة المتوحلة بمعتقداتها أنها تتحول إلى مطية لأدعياء الدين وخطبهم وتصريحاتهم ووجهات نظرهم التي تسمى فتاوى، فتراهم يتهافتون باندفاعية وغباء للتعبير عن إرادة هذا الشخص أو ذاك بعد أن أصبح في خانة المواضع المقدسة التي تخرجه من بشريته، فنتصوره لا ينطق إلا صواباً، وهو الذي لا يخطئ أبداً، والعارف دوماً، والذي يترجم إرادة قوة عليا ذات مواصفات متفقة وآليات برمجة رؤوس التابعين والخاضعين الراقصين وراء الناعقين المستسلمين الخاضعين للآخرين المعززين لسلوكياتهم العجزية اللازمة لأسرهم واستعبادهم باسم الدين وما تبدعه أهواؤهم من الظنون وآيات الامتلاك المبين!!
فهل لنا أن نتعلم بأن التبعية سلوك خسراني مروّع، ولن تجلب خيراً للشعوب والمجتمعات التي تدين بها، فعندما يتعطل العقل فلا أمل يُرتجى، ولا قدرة على التواصل والرقاء في ميادين الحياة المتنوعة.
فالحياة تصنعها الإرادة الفردية والجماعية الحرة المؤمنة بذاتها وبموضوعها، وتدمرها التبعية وعدم إعمال العقل أمام التحديات، ولسوف يتفكرون!!
واقرأ أيضاً:
التآلف الوطني \ الحكومة والشعب \ سلوك الاعتذار