ما تغفله الأجيال أن دعاة العروبة من ألد أعدائها، وقد انطلقت الحملة الشرسة ضدها منذ منتصف القرن التاسع عشر، عندما تحقق استثارة المشاعر القومية وتشكيل الجمعيات والمنتديات، ومن ثم الأحزاب المنادية بها زورا وبهتانا، لأن الهدف كان لإسقاط الدولة العثمانية وترويج القول بأنها الرجل المريض.
وبعد أن تم إنجاز الهدف أجهزوا بقسوة على العروبة، وتحقق اغتيال ثورة العرب الكبرى بقيادة الحسين بن علي ونفيه إلى قبرض، ودفنه في القدس بعد وفاته.
وانطلقت الأحزاب المؤدينة والقومية المتصارعة مع بعضها، وأدّت إلى تباعد الدول العربية التي تأسس معظمها وفقا لإرادة المصالح للقوى المستعمرة، فكانت معاهدة سايكس بيكو التي لم يوظفها العرب لصالحهم، بل اتخذوها مطية لتدمير وجودهم وتأكيد تناحرهم، وواحدهم يدّعي بأنه قومي ومن دعاة العروبة، فأصابوها بمقتل، حيث مضى القرن العشرون والعرب ضد العرب، فانصب جهدهم لإنهاك بعضهم البعض، وقتلَ العرب من العرب ما لم يقتله عدو لهم، وعانى العربي من جور العربي، وأقيمت أنظمة حكم ضد المواطنين، والأمثلة في سوريا والعراق اللذان كان فيهما حزب واحد بشعاراته القومية وما تقاربا والعداء بينهما مضى لذروته.
ولا ننسى حرب اليمن واجتياح الكويت، والتقسيمات المجحفة لعدد من الدول، فانفصلت السودان ومن ثم تقسمت، وتعقدت القضية الفلسطينية وتطورت على حساب العرب في كل مكان.
وما جرى يؤكد آلية "قل لي ما تريد لأقتلك بما تريد"، وبذلك قتلوا العرب بما يريدونه ويسعون إليه، على المستوى الوطني والقومي، وحالما ارتفعت النداءات العروبية تحقق قتل العرب بعروبتهم، حتى وجدتنا ننكرها ونحسبها نسيا منسيا، ومهزلة سلوكية لا نفع منها، فصرنا نطلق عليها تعريفات تحط من قيمتها ودورها، ونتخذ نهجا معاديا لها، ونستحضر المرير والعسير لتأمين نكرانها، وتجميدها في ثلاجات العدوان السافر عليها.
العروبة ثقافة راسخة في الوعي الجمعي على مدى الأجيال، ولا يمكن انتزاعها من الأعماق، لأن الإنسان سيبدو تائها، ومنزويا في كينونات متصاغرة متناحرة ذات تداعيات خسرانية كبيرة.
وبعد المسيرة المتعثرة المستهدفة لرسالتها ومنطلقاتها، لابد من الاستفاقة والتأكيد على أن الأمة لن تكون بخير إذا أهملت نبضها ونزفت نسغها!!
فهل من عودة إلى نبع وجودنا العزيز؟!!
اقرأ أيضاً:
أمة تطفئ أنوارها!! / أنا الكرسي والكرسي أنا!!