القوة تطورت مع الزمن من الحجارة والعصا إلى الأدوات الحادة كالسكين والسيف والسهم، وغيرها مما يتوفر في الطبيعة من أدوات تستعمل للنيل من الآخر.
وأصبحنا في عصر بلغت فيه مفردات القوة متنوعة، وفاقت التصورات بقدراتها التدميرية الهائلة الفتاكة، واتجهت الدول القوية لزيادة خسائر الهدف وتقليل خسائرها، لكي تضمن النصر الساحق على أعدائها أو لمحقهم.
وفي القرن الحادي والعشرين وصلت وسائل التعبير عن القوة ذروتها، وانطلقت في ميادين ذات تأثيرات مروعة، فأصبحت التفاعلات عبارة عن ألعاب إليكترونية يتحقق تأثيرها بمداعبة أزرار.
ومع هذا التقدم المتسارع في تنمية القوة التدميرية، توجهت العديد من القوى إلى استعمال الكلمة وانتبهت إلى قدرتها التدميرية، التي تحيل الهدف إلى عصف مأكول بإرادة عناصره، خصوصا بعد توفر وسائل التواصل السريعة وسهولة إيصال المعلومة إلى الناس، وفقا لآليات وضوابط تضليلية مخادعة تتمكن من إيقاعهم في حبائلها.
وبموجب ذلك أصبحت الكلمة من أسلحة التدمير الشامل التي تبيد مجتمعات، وتقضي على أمم بدون ضجيج ولا خسائر تذكر من القوة المستهدفة لها، فيتم العمل على زعزعة الهدف بذاته وموضوعه وهويته ولغته وثوابته الروحية وبمعتقداته، وتحويله إلى كينونات متصارعة متماحقة، حتى تتآكل مصادر القوة فيه وينتهي كالعروش الخاوية، فيتم إحراقها بسهولة وتحويلها إلى رماد.
وأمتنا مستهدفة وبشراسة بالكلمة، فيروَّج لما يعادي لغة الضاد، ويهين المرتكزات الأخلاقية، ويعزز الشعور بالدونية والتخلف والإمعان بمحق ذات الأمة، وتجد هذه التوجهات العدوانية الناعمة تتسرب إلى وعي الناس، ويتداولها المغفلون فتؤثر على سلوكهم ومواقفهم وهم لا يشعرون، لأنها تقدَم بآليات مدروسة ووفقا لنظريات نفسية وسلوكية تخاطب العواطف والغرائز وتؤجج الانفعالات وتعطل العقول.
وبموجب ما يدور في الواقع التواصلي بين الناس، فإن التفاعل العقلي تضاءل والتصارع الانفعالي المشحون بالعواطف السلبية يتنامى، مما تسبب بتداعيات متراكمة ومتوالدة، أبعدت الناس عن التحديات التي تواجههم وألقت بهم في أتون الإبادة الذاتية والموضوعية.
فهل لنا أن نستيقظ ونأخذ الكلمة محمل الجد ونرى ما رواء السطور؟!!
اقرأ أيضاً:
الكتابة بمداد الحياة!! / التوضيح والتصريح!!