النصوص ثلاثية الأبعاد والمسماة هايكو مولودة من رحم البيئة المجتمعية اليابانية منذ قرون، وهي أصيلة في موطنها، ودخيلة على غيرها، فالواقع الياباني يحتاج لهكذا نبضات فكرية ومعرفية وإبداعية.
فهو يسابق الزمن ونحن نتدثر بالزمن، فكيف يصح ذاك في هذا؟
لكي نستوعب نصوص الهايكو اليابانية علينا أن نسير في شوارع اليابان، لنكتشف سرعة وقع الخطوات، وذروة الحركة المتمثلة بقطارات الإطلاقة وما بعدها.
فحرص الياباني على الوقت واستثماره بأقصى ما يمكن، أوجد ما يتوافق معه من التفاعلات بأنواعها، ومنها الإبداعية.
فالإتيان بما عندهم لا يتوافق وما عندنا، فكيف نريد أن نروّج لبضاعة غير مستذاقة أو مرغوبة في ديارنا؟
إن الخروج من الإيقاعات الداخلية لنفوسنا ورؤانا، بحاجة لثورة معرفية لا لاستنساخات وتبعيات واستحضارات لما عند غيرنا.
فالمشكلة ليست في قدراتنا الإبداعية، ولكن في أساليبنا ونشاطاتنا التي تطمرها في بلاد الآخرين، فلا قيمة للهايكو المكتوب بلغتنا عند الياباني، مثلما لا قيمة ولا معنى للهايكو الياباني الأصيل في ديارنا.
تلك حقائق سلوكية، وتفاعلات من الصعب الانتصار عليها، فالشعر بأنواعه تعبير عن نبضات الأعماق البشرية، ويتوافق مع الإيقاعات الفاعلة في الأبدان، التي تملي على المخيلة والعقل الإتيان بما ينسجم معها، ويعبر عن لحنها الداخلي المتناغم مع ما في الإنسان من طاقات وتطلعات.
فالعرب اكتشفوا بحورهم الشعرية ولم يخترعوها، وأبدعوا في أروقتها وقدموا ما ينعش النفس والروح والقلب والعقل، وعليهم الإنطلاق منها للتواكب مع العصر، وإن لم تتحقق تفاعلات جادة مع المكان والزمان فلن يقدموا جديدا في أي الميادين.
فأكبر انتكاسة إبداعية تواجهها الأمة تتمثل في التبعية الإبداعية للآخرين، ونكرانها لقدراتها وقابلياتها المتأصلة فيها، حتى أوجدت اجيالا تنكر ذاتها وموضوعها.
فهل من قدرة على التعبير الأصيل؟
اقرأ أيضاً:
زعزعة الثوابت!! / في جيبي مكتبة!!