من العجائب الفاعلة فينا، أن واحدنا يرى أنه إمام ما يرى، فإذا كتب سطرا حسب نفسه إمام الكتابة، وإذا نشر نصا أصبح إمام الشعر، فكأنه يعرف وعنده ينتهي فصل العلم والمقال والخطاب.
الجميع سادة ومشايخ ومن نسب أصيل وحسب عظيم، وإياك إياك أن تقول لأحدنا :"على عينك حاجب" فالكل علاّمات وعوارف موسوعية، ونوابغ وعندهم منتهى الوعي والإدراك.
فلا يوجد في ديارنا مَن يريد أن يتعلم فالجميع يعلم.
قولوا ما شئتم، فهذا واقعنا الفتان، ومصيرنا الأنّان!!
فهل وجدتم مجتمعات تعرف كل شيء، ولا تريد أن تعرف شيئا؟!!
إنها مجتمعات الدواوين والولائم والثريد، القوي المتمكن فيها، مَن يطعم فالكرم والقوة أن تبذل الطعام، وتذبح الجمال والأغنام، وتصبح طاؤوسا في عرينك الباهي الذي يتقبع فيه أولاد تبع وإخنع.
أصبحت الآن عندنا هوية عنوانها، أنا شيخ، أنا سيد، أنا من الأشراف، وكفى اللبيب فهو يعني أنا أعرف وأعلم، وملهم، ولا أنطق عن الهوى، إنما هو أكبر من وحي يوحى.
نعم نحن مجتمعات لا شيء، ونصنع أئمة من لا شيء، وكلما أمعنا في تجاهلنا للمواجهة الحقيقية مع إرادة الحياة، أوجدنا أئمة نرمي على أكتافهم أسباب عجزنا، ونتوسلهم أن ينصرونا على المجهول، لأننا لا نريد مواجهة عدونا.
والحقيقة المريرة، أننا أعداء أنفسنا، فكيف بربك يمكن بناء مجتمع يعتصم بحبل الوطن والمواطنة، ومَن فيه يدّعون بأنهم السادة والمشايخ، وأئمة ما عندهم من الزور والبهتان والضلال والدجل.
إنها لعنة شديدة وتداعيات مريرة في حفر الهلاك الأكيد، وكل ما عندنا يبيد، وغيرنا رشيد، وأئمة كل شيء مهرة تقليد وترقيد.
ولا إمام إلا العقل يا أمة يعقلون!!
ومَن قال أعلم فهو لا يعلم!!
اقرأ أيضاً:
أمة ضد نفسها!! / جرأة الأجداد وتردد الأحفاد!!