حداد
مقال شعري بعنوان حداد. في حادثة حريق محطة مصر فبراير ٢٠١٩
حدادٌ.. حدادٌ.. حدادْ.. أوكُل يومٍ حداد.. تعبت أمي من البكاء.. شاخ قلبي في الشباب.. أما اكتفيت من الدماء.. في كل شبرٍ فيك هلاك.. في كل ربعٍ نلقى عذاب.. في كل بيت ادخرنا ملاك.. هكذا بلادي مصيرنا حداد..
أبتاه ما هذه الشارة الشئماء.. ولماذا بلادي في رداء السواد.. أراها تنزف في حُلة تعساء.. وقد هشم القلبَ البكاء.. يقولون، لأنها في حداد.. كلمة غريبة على البلاد .. أبتاه ما معنى أصلًا كلمة حداد.. ولماذا أشتم رائحة نكراء.. أخبرني أبي، ماذا في تلك الكلمة من بلاء..
يا الله.. لم يكُ ذلك اليوم ببعيد. كنت أسمع لفظ حدادٍ عددَ سمعي كلمة عيد. ماذا حل ببلادي جديد. كي نصحوا ونبيت في ذاك الحداد المديد..
اليوم يا بلادي، أمسكت النار فينا فردًا فردًا.. نارٌ تنبش في القلوب.. نار غلٍ ونار رعبٍ ونار حسرةٍ ونار يأس.. كل وفقيده.. ففاقد الضحايا مغلول بحق -وإن لم أنفي ذلك عن كلٍ.. أما عن الحسرة.. فحدث ولا حرج.. أمسكت في كل بنيك وربي.. الرعب في جنباتك ما برح يدب.. التسلل إلى قلوبنا حتى لم يعد يكفيه.. يأبى إلا أن ينتزع الأفئدة من الضلوع.. طائرا بما بقي فيها من بصيص أملٍ وسط الضباب.. تاركًا وطنًا أضحى فيه اليأس سُنة.. فالآمل فيك ملعون والراغب فيك مجنون..
سمعت بأذن قلبي حال بنيك.. رأيت بعيني الحال فيك.. والله لا أحد غيرك يبكيني .. أنت الضحية في عيني، والغير يرميك.. بذنب وربي ليس فيك..
حبيبتي .. من أي داءٍ تشتكين.. صمتك يُجفي مُقلتي .. رُكونك يرهبني.. حالك يؤلمني.. ضياعُك يفجعني.. صوت صراخك يؤرقني.. قد جمد الكلام ولكني.. عقدت العزم بأني .. لن أفلت يداكِ أمي.. أعلم يقينًا أني لست بعمروٍ.. لكني ابنة بارة فهلمي.. ابكي أماه.. اصرخي حبيبتاه .. بل .. لا.. كفاك ابنتاه.. صوت أنينك شق صدري.. أعلم أن الفقد الليلة ليس بهين.. فهل بألم يبرح أم كفقد ضناه..
واحسرتاه.. أنا أرض الكنانة والعصر.. أنا مصر فتيّة الدهر.. كل نائبة تحل بي، فانتفض.. من كل كبوة أولد.. كفاني.. عند بنيّ، كفاك زماني.. فلذة كبدي، إياك رجائي.. أحرقتموهم، لماذا.. أهملتموهم، خسئتم.. آه ثم آه منكم.. تُرى، هنيهة، من أنتم.. ماذا عساي بفاعلة.. وأي السبل سالكة.. تالله .. سأشكوكم .. سأشكوكم لمن ليس لي سواه.. سأشكوكم قاضي السماء.. سأشكوكم لمنتقم جبار .. ليس لي سوى شكواه.. وليس لغيره أرفع مُناي.. فاللهم أحرقهم كما أحرقوني.. اللهم عذبهم كما عذبوني.. اللهم يا رافع السماء بغير عمدٍ.. صب عليهم سوط عذابك للأبد.. وفرج اللهم همي.. وارفع عني غمي.. واحفظ لي خيرة بنيّ.
واقرأ أيضا:
إبداعات أدبية