وهْمُ المقروئية يهيمن على سلوك الكتاب بأنواعهم، فيحسبون أقلامهم تبيض ذهبا، وخربشاتها ستجذب الأنظار، والمسطور مكتوب بأحرف من نور، وهي تتقيأ ما بجعبة أصحابها على السطور .
والدليل على ذلك أن المكتوب يتجاوز بصفحاته عدد أصابع اليد الواحدة في أكثر المنشور، وبأساليب غثيثة غير قادرة على شد المتلقي وترغيبه بالقراءة.
وهذه الاندفاعات الكتابية الفيضانية تصيب القارئ بالغرق والاختناق، فيغادرها بعد أول فقرة أو عبارة.
والذين يكتبونها من أجيال القرن العشرين، وما استطاعوا مغادرة معتقلاته والتواكب مع قرن متسارع دفاق المعطيات، مكثف الإبداعات.
فالواقع المعاصر ينسف ما أنتجه الإنسان في القرن العشرين، ويتحول بسرعة نحو التأقلم مع إيقاعات القرن الحادي والعشرين.
ويبدو أن المجتمعات الأخرى إستوعبت نبضات العصر، فصارت كتاباتها ذات أساليب جديرة بالقدرة على تأمين التفاعل بين الكلمة والقارئ بطاقاته الإدراكية، وفي واقعنا العربي لا نزال نتخندق في كينونات القرن العشرين، وكأن الذي يكتب عليه أن يملأ السطور وحسب.
وهذا الفهم للكتابة عقيم وسلبي، وسيساهم بالتنفير والتدمير الإبداعي، وستشهد الفترة القادمة تغيرات حادة ومؤثرة بالواقع المعرفي المسطور بالعربية، وهذه الانتقالة متأخرة ومتباطئة بخطواتها، لتحافظ على ابتعادها عن اللحاق بالركب الإنساني السبّاق.
فعلى الأقلام الساعية لطرح الأفكار والتعبير بصدق وعفاف عن رسالتها الإبداعية، أن لا تتقيد بما كانت عليه أو تعلمته في القرن الماضي، وتستوعب مؤثرات ومفردات القرن الجديد، فالبشرية تنتقل إلى عوالم ما بعد الخيال بإنجازات وابتكارات أصيلة، ومتوالدة بتعجيل لا يُضاهى.
فليس من المقبول أن نكتب بمداد ما مضى، والدنيا تسير على سكة الآتيات المتوافدات كالسيل العرمرم، وندّعي بأننا نكتب، ونتساءل أين القراء، ولماذا الكتب تنام في الرفوف، والمحظوظ من أصحابها مَن يستطيع إهداء بعضا منها لمعارفه.
فهل سنكتب للناس، أم سنبقى نتعاطي الكتابات الذاتية والنخبوية؟
اقرأ أيضاً:
مستشفيات؟!! / روسيا ومحنة الحياة!!