العقل في ديارنا حمار يُمتطى لتسويغ أنواع المآرب والغايات، وتركبه النفس الأمارة بالسوء، وتأمره بتبرير ما تريد، فهو وسيلتها لتأمين رغباتها وتأجيج نوازعها، ذات التطلعات الأنانية العدوانية الفتاكة.
ومن المعروف أن الديانات والعقائد وجدت لتأديبها ولجم جماحها، وما نجحت إلا بنسب قليلة هنا أو هناك، وبقيت النفس الأمارة بالسوء سيدة التفاعلات وصانعة الأحداث، والعقل ظهيرها المطيع.
والمجتمعات المتقدمة استطاعت أن تحرر العقل من قبضتها، أو ترخي تلك القبضة عليه، فصار فاعلا ومجردا من أصفادها الثقيلة الموجعة.
ومجتمعاتنا العقل فيها منفعل لا متفاعل، ومرهون بإرادة النفس التي خنعته، وأهلته للاستسلام والإذعان التام لإرادتها، فأسست لمن يتبعون ويساهمون في تأليف الحشود القطيعية، الراضية بما يُراد منها أن تقوم به، وهي كالمخدرة بأفيون النفس الأمارة بالسوء، خصوصا عندما يتم مزج صهبائها بزلال الدين، عندها ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، يتدحرجون إلى مهاوي الويلات، وحُداتهم يرقصون على أكتاف فنائهم، ودفعهم إلى جحيمات سقر.
كيف يتحول العقل إلى حمار؟
ببساطة أن الكراسي وفقهاءها بسطوتهما وتكرارهما لآليات الاستحمار، يساهمون تدريجيا بإلغاء العقول، ودفع الناس المكبلين بالحرمان من الحاجات الأساسية للحياة، إلى خلع عقولهم والاستعاضة عنها بعقل المسؤول، فتجدهم يقلدون ويرددون ذات الكلمات، ويسيرون في دروب لا رجعة فيها، فالمهم أن يعيش العقل الذي إليه ينتمون، وباسمه يسبّحون، وتحت قدميه يركعون.
وكيف يدرك العقل بأنه ليس حمارا؟
الفعل الأكبر أثرا أن يتولى المسؤولية مثقف يؤمن بالعقل، يحفز الناس على تفعيل عقولهم والعمل بموجبها، والفعل الآخر أن يُزاح مَن يسمون أنفسهم بالفقهاء من التدخل بشؤون البلاد، ويركزون على دورهم الأخلاقي والقيمي بعيدا عن السياسة، وتسويق الناس كبضائع يتاجرون بها باسم الدين.
أما المستحمرون فلا قدرة لديهم مهما توهمنا للخروج من سوح التبعية والخنوع، لأن الخارجين سيكونون قلة وتحت لعنة المنتمين لجلادهم المتاجر بالدين، فلا أمل بالناس، لأنها تأخذ شكل الوعاء الذي توضع فيه، ويمكنها أن تتجمع تحت عباءة شخص أثيم.
فهل من عقل فاعل حرٍّ أمين؟!!
واقرأ أيضاً:
السرقة الكبرى!! / الشعب لا يحكم!!